الأئمة الإثنا عشر

الأئمة الإثنا عشر
روى الحافظ القندوزي الحنفي بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: «جاء يهودي من يهود المدينة إلى علي ـ كرم الله وجهه ـ قال: إني أسألك عن ثلاث وثلاث وعن واحدة فقال علي: لم لا تقول أسألك عن سبع؟ قال: أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهن سألتك عن الثلاث الأخر، فان اصبت فيهن سألتك عن الواحدة فقال علي: ما تدري إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت، فأخرج اليهودي من كمّه كتاباً عتيقاً، قال: هذا ورئته عن آبائي وأجدادي عن هارون جدي إملاء موسى بن عمران وخط هارون بن عمران عليهما السلام وفيه هذه المسألة التي أسألك عنها، قال علي: ان أجبتك بالصواب فيهن لتسلم؟ فقال: والله أسلم الساعة على يديك ان أجبتني بالصواب فيهن، قال له: سل.
قال: أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض، وعن أول شجرة نبتت على وجه الأرض، وعن أول عين نبعت على وجه الأرض.
قال: أما أول حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنها صخرة بيت المقدس، وكذبوا، ولكن هو الحجر الأسود نزل به آدم عليه السّلام من الجنة فوضعه في ركن البيت، والناس يتمسحون به ويقبلونه ويجدون العهد والميثاق، لأنه كان ملكاً ابتلع كتاب العهد والميثاق، وكان مع آدم في جنته، فلما خرج آدم خرج هو فصار حجراً، قال اليهودي: صدقت قال علي: وأما أول شجرة نبتت على الأرض فان اليهود يزعمون أنها الزيتونة، وكذبوا ولكنها نخلة من العجوة نزل بها آدم من الجنة فأصل كلّ النخلة العجوة، قال اليهودي: صدقت. قال علي ـ كرم الله وجهه ـ: وأما أول عين نبعت على وجه الأرض فان اليهود يزعمون أنها العين التي كانت تحت صخرة بيت المقدس وكذبوا، ولكنها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة، فلما أصابها ماء العين حيبت وعاشت وشربت منه فاتبعها موسى وصاحبه الخضر، قال اليهودي: صدقت.
قال علي: سل عن الثلاث الأخر، قال: أخبرني كم لهذه الأمة بعد نبيها من إمام. وأخبرني عن منزل محمّد أين هو في الجنة، وأخبرني من يسكن معه في منزله؟
قال علي: لهذه الأمة بعد نبيها إثنا عشر إماماً لا يضرهم خلاف من خالفهم، قال اليهودي صدقت. قال علي: ينزل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في جنة عدن وهي وسط الجنان وأعلاها وأقربها من عرش الرحمان جل جلاله، قال اليهودي: صدقت. قال علي: والذي يسكن معه في الجنة هؤلاء الأئمة الإثنا عشر، أولهم أنا وآخرنا القائم المهدي، قال: صدقت. قال علي: سل عن الواحدة، قال: أخبرني كم تعيش بعد نبيك وهل تموت أو تقتل؟ قال: أعيش بعده ثلاثين سنة وتخضب هذه (أشار بلحيته) من هذا (أشار برأسه الشريف) فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمّداً رسول الله وأشهد انك وصي رسول الله(1)».
وروى الحمويني بأسناده عن عبدالله بن عباس، قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»(2).
وروى بأسناده عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين علي: «أكتب ما أملي عليك، قال: يا نبي الله وتخاف علي النسيان؟ فقال: لست أخافُ عليك النسيان وقد دعوت الله عزّوجل لك أن يحفظك ولا ينسبك، ولكن أكتب لشركائك، قال: قلت: ومن شركائي يا نبي الله؟ قال: أئمة من ولدك بهم يسقى أمتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عنهم البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء، وهذا أولهم، وأومأ بيده إلى الحسن، ثم أومأ بيده إلى الحسين عليهما السلام ثم قال عليه وآله السلام الأئمة من ولده»(3).
وروى بأسناده عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال: «قال أبي لجابر بن عبدالله الأنصاري: إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسالك عنها؟ فقال له جابر: في أي الأوقات شئت، فخلا به أبي، فقال له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي أمي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وما أخبرتك به أن في ذلك اللوح مكتوباً؟ قال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أهنئها بولادة الحسين، فرأيت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنه زمرد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله جل جلاله إلى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء من ولدي، فأعطانيه أبي ليبشرني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة فقرأته وانتسخته، فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال: نعم، فمشى معه أبي حتى انتهى إلى منزل جابر وأخرج إلى أبي صحيفة من رق فقال له أبي: يا جابر أنظر إلى كتابك لأقرأ عليك فنظر جابر في نسخته فقرأه إبي فما خالف حرف حرفاً فقال: قال جابر: فأشهد بالله أني رأيته هكذا في اللوح مكتوباً:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من الله العزيز الحكيم لمحمّد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، فاني أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبارين، ومذل الظالمين، ومبير المتكبرين، وديان الدين، اني أنا الله لا إله إلاّ أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فاياي فاعبد، وعلي فتوكل، اني لم أبعث نبياً فاكملت ايامه وانقضت مدته إلاّ جعلت له وصياً، واني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجةً، فجعلت كلمتي التامة معه والحجة البالغة عنده. بعترته أثيب وأعاقب، وأولهم علي سيد العابدين وزين أولياء الماضين، وابنه شبيه جده المحمود محمّد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد علي، حق القول مني لأكرمنّ مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، وانتجبت بعده موسى، ولأتيحن بعده فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى، وان أوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، إن المكذّب بالثامن مكذب بجميع أوليائي وعلي وليي وناصري، ومن أضع على عاتقه أعباء النبوة وأمنحه بالأضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأقرن عينه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سري وحجتي على خلقني، فجعلت الجنة مأواه وشفعته في سبعين من أهل بيته، كلهم قد أستوجبوا النار واختم بالسعادة لابنه علي وليّي وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيي، وأخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن.
ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب، وسيذل أوليائي في زمانه، ويتهادون رؤوسهم كما يتهادون رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم وينشأ الويل والرنين في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال، (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(4)(5).
وروى الحمويني بأسناده عن أبي نضرة قال: «لما احتضر أبو جعفر محمّد ابن علي عند الوفاة دعا بابنه الصادق ليعهد إليه عهداً، فقال له أخوه زيد بن علي: لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين عليهما السلام لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً، فقال له: يا أبا الحسين، إن الأمانات ليست بالمثال ولا العهود بالسوم، وانما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك وتعالى.
ثم دعا بجابر بن عبد الله فقال له: يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة، فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأهنئها بمولد الحسين عليه السّلام فإذا بيدها صحيفة من درّة بيضاء، فقلت: يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها؟ قالت: يا جابر لولا النهي لكنت أفعل، لكنه قد نهى أن يمسها إلاّ نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى بطنها من ظاهرها.
قال جابر: فقرأت فإذا: أبو القاسم محمّد بن عبدالله المصطفى وأمه آمنة، أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمّد الحسن بن علي وأبو عبدالله الحسين بن علي التقي أمهما فاطمة بنت محمّد، أبو محمّد علي بن الحسين العدل أمه شاه بانويه بنت يزدجرد بن شاهنشاه، أبو جعفر محمّد بن علي الباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقه أمه جارية اسمها حميدة، أبو الحسن علي بن موسى الرضا، أمه جارية اسمها نجمة، أبو جعفر محمّد بن علي الزكي، أمه جارية اسمها خيزران، أبو الحسن علي بن محمّد الأمين، أمه جارية اسمها سوسن، أبو محمّد الحسن بن علي الرفيق، أمه جارية اسمها سمانة، أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجة الله القائم، أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم اجمعين»(6).
وروى الحافظ القندوزي الحنفي عن جابر بن عبدالله قال: «دخل جندل بن جنادة بن جبير على رسول الله فقال: يا محمّد، أخبرني عمّا ليس لله وعمّا ليس عند الله وعمّا لا يعلمه الله.
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود إن عزيزاً ابن الله والله لا يعلم انه له ولد، بل يعلم أنه مخلوقه وعبده، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وانك رسول الله حقاً وصدقاً، ثم قال: اني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران فقال: يا جندل أسلم على يد محمّد خاتم الأنبياء، واستمسك أوصياءه من بعده، فقلت أسلم، فللّه الحمد أسلمت وهداني بك.
ثم قال: أخبرني يا رسول الله عن أوصيائك من بعدك لأتمسك بهم قال: أوصيائي الإثنا عشر، قال جندل: هكذا وجدناهم في التوراة، وقال: يا رسول الله سمهم لي، فقال: أولهم سيد الأوصياء أبو الأئمة علي، ثم ابناه الحسن والحسين، فاستمسك بهم، ولا يغرنك جهل الجاهلين، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه، فقال جندل: وجدناه في التوراة وفي كتب الأنبياء إيليا وشبراً وشبيراً فهذا اسم علي والحسن والحسين فمن بعد الحسين وما أساميهم؟ قال: إذا انقضت مدة الحسين فالإمام ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فبعده ابنه محمّد يلقب بالباقر، فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، فبعده ابنه علي يدعى بالرضا، فبعده ابنه محمّد يدعى بالتقي والزكي، فبعده ابنه علي يدعى بالنقي والهادي، فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري، فبعده ابنه محمّد يدعى بالمهدي والقائم والحجة، فيغيب ثم يخرج فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبتهم، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(7) ثم قال تعالى: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(8).
فقال جندل: الحمد لله الذي وفقني بمعرفتهم، ثم عاش إلى أن كانت ولادة علي بن الحسين فخرج إلى الطائف ومرض وشرب لبناً، وقال: أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة لبن ومات ودفن بالطائف بالموضع المعروف بالكوزارة».
وروى عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنا سيد النبيين، وعلي سيد الوصيين، وان أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي وآخرهم القائم المهدي».
وروى عن علي عليه السّلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الأئمة من ولدي فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى والوسيلة إلى الله جل وعلا»(9).
وروى الكنجي باسناده عن ابن عباس. قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي عزّوجل فليوال علياً من بعدي وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فانهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي»(10).
وروى الحمويني باسناده عن علي بن موسى الرضا عليه التحية والثناء عن أبيه عن آبائه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أحب أن يتمسك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي، فليقتد بعلي بن أبي طالب وليعاد عدوه وليوال وليه، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي في حياتي، وبعد وفاتي، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي، قوله قولي، وأمره أمري ونهيه نهيي، وتابعه تابعي، وناصره ناصري وخاذله خاذلي، ثم قال عليه السّلام: من فارق علياً بعدي لم يرني ولم اره يوم القيامة، ومن خالف علياً حرم الله عليه الجنّة وجعل مأواه النار ومن خذل علياً خذله الله يوم يعرض عليه، ومن نصر علياً نصره الله يوم يلقاه، ولقّنه حجته عند المساءلة، ثم قال: والحسن والحسين اماما أمتي بعد أبيهما وسيدا شباب أهل الجنة، وأمهما سيدة نساء العالمين، وأبوهما سيد الوصيين ومن ولد الحسين تسعة أئمة تاسعهم القائم من ولدي، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم والمضيعين لحرمتهم بعدي وكفى بالله ولياً وناصراً لعترتي، وأئمة أمتي، ومنتقماً من الجاحدين حقهم(11) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)(12).
وروى القندوزي الحنفي بسنده عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، ولن تؤتى المدينة إلاّ من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، لأنك مني وأنا منك، لحمك لحمي ودمك دمي، وروحك من روحي، وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، سعد من أطاعك، وشقي من عصاك، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، فاز من لزمك، وهلك من فارقك، مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركبها نجا من تخلف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة»(13).
وروى علي بن الحسين بن بابويه باسناده عن عمرو بن الأشعث عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال: «سمعته يقول ونحن في البيت معه نحو من عشرين انساناً: لعلكم ترون أن هذا الأمر إلى رجل منا يضعه حيث يشاء؟ لا والله، إنه لعهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مسمى، رجل فرجل، حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه.
وروى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن قول الله عزّوجل: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فقال: الإمام يؤدي إلى الإمام»(14).
وروى باسناده عن أبي عبدالله عليه السّلام، قال: «نزل جبرئيل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بصحيفة من السماء، لم ينزل الله كتاباً مثلها قط قبله ولا بعده، فيه خواتيم من ذهب فقال له: يا محمّد، هذه وصيتك إلى النجيب من أهلك، قال له: يا جبرئيل، من النجيب من أهلي؟ قال: علي بن أبي طالب، مره إذا توفيت أن يفك خاتماً، ثم يعمل بما فيه، فلما قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ففك علي خاتماً ثم عمل بما فيه ما تعداه، ثم دفعها إلى الحسن بن علي ففك خاتماً وعمل بما فيه ما تعداه، ثم دفعها إلى الحسين بن علي ففك خاتماً، فوجد فيه: أخرج بقوم إلى الشهادة لهم معك واشر نفسك لله. فعمل بما فيها ما تعداه، ثم دفعها إلى رجل بعده ففك خاتماً، فوجد فيه: أطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ثم دفعها إلى رجل بعده ففك خاتماً، فوجد فيه: أن حدث الناس وأفتهم وانشر علم آبائك، ففعل بما فيه ما تعداه، ثم دفعها إلى رجل بعده ففك خاتماً، فوجد فيه: أن حدث الناس وأفتهم وصدق أباك ولا تخافن أحداً إلاّ الله فانك في حرز من الله وضمان. وهو يدفعها إلى رجل من بعده ويدفعها من بعده إلى من بعده إلى يوم القيامة»(15).
قال القندوزي: «وفي المناقب: خطب الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه فقال: ان الله أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم دينه، وأبلج بهم باطن ينابيع علمه، فمن عرف من الأمة واجب حق امامه، وجد حلاوة ايمانه، وعلم فضل طلاوة اسلامه، لأن الله نصب الإمام علماً لخلقه، وحجة على أهل أرضه، ألبسه تاج الوقار، وغشاه نور الجبار، يمده بسبب من السماء، لا ينقطع مواده، ولا ينال ما عند الله إلاّ بجهة اسبابه، ولا يقبل الله معرفة العباد إلاّ بمعرفة الامام، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الوحي ومعميات السنن ومشتبهات الفتن، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين، من عقب كل إمام يصطفيهم لذلك، وكل ما مضى منهم امام نصب الله لخلقه من عقبه إماماً علماً بيناً ومناراً نيراً، أئمة من الله يهدون بالحق، وبه يعدلون، وخيرة من ذرية آدم، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وصفوة من عترة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، اصطنعهم الله في عالم الذر قبل خلق جسمهم عن يمين عرشه، مخبوءاً بالحكمة في علم الغيب عنده، وجعلهم الله حياة الأنام ودعائم الإسلام»(16).
وقال: «وفي المناقب: بسنده عن عبد الأعلى بن أعين، قال سمعت جعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ: يقول قد ولدني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفيه خبر السماء، وخبر الأرض، وخبر الجنة، وخبر النار، وخبر ما كان وما يكون، وأنا أعلم ذلك كله كأنما أنظر إلى كفي، وانّ الله يقول: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْء)(17)ويقول تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(18) فنحن الذين اصطفانا الله جلّ شأنه، وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شيء»(19).
وروى الذهبي باسناده عن أبي ذر، مرفوعاً، قال: «علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم الدين»(20).
وروى القندوزي عن علي عليه السّلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال علياً وليعاد عدوّه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فانهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه من بعدي وسادات أمتي وقواد الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله وحزب أعدائهم حزب الشيطان»(21).
وروى: «عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ـ وهو آخر من مات من الصحابة بالاتفاق ـ عن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي أنت وصيي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت الإمام، وأبو الأئمة الأحد عشر الذين هم المطهرون والمعصومون، ومنهم المهدي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فويل لمبغضيهم. يا علي: لو أن رجلا أحبك وأولادك في الله لحشره الله معك ومع أولادك، وأنتم معي في الدرجات العلى، وأنت قسيم الجنة والنار، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار»(22).
قال محمّد بن طلحة: «اختصاصهم بها، وهي الأمامة الثابتة لكل واحد منهم، فانه حصل ذلك لكل واحد من قبله، فحصلت للحسن التقي من أبيه علي بن أبي طالب، وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي، وحصلت بعد الحسين لابنه علي زين العابدين منه، وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منه، وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منه، وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منه، وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منه، وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منه، وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منه، وحصل بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منه، وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجّة المهدي منه. وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول، فلا حاجة إلى بسط القول فيه في هذا الكتاب.
وأما كون عدد الأئمة منحصراً في هذا العدد المخصوص، وهو اثنا عشر، فقد قال العلماء فيه: ان الله تعالى أنزل في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)(23) فجعل عدة القائمين بهذه الفضيلة والتقدمة والنقيبة التي هي النقابة، مختصة بهذا العدد، فتكون عدة القائمين بفضيلة الإمامة والتقدمة بها، ولهذا لما بايع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الأنصار ليلة العقبة قال لهم: أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيباً كنقباء بني اسرائيل، ففعلوا فصار ذلك طريقاً وعدداً مطلوباً، قال الله تعالى: (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً)(24) فجعل الأسباط الهداة الحق في بني اسرائيل اثنى عشر، فتكون الأئمة الهداة في الإسلام اثني عشر»(25).

(1) ينابيع المودة، الباب السادس والسبعون ص443، وانظر فرائد السمطين ج1 ص354 رقم 280.
(2) فرائد السمطين ج2 ص133 رقم /430.
(3) المصدر ص259 رقم /527، وأورده القندوزي في ينابيع المودة ص20 ورواه علي بن الحسين ابن بابويه في الامامة والتبصرة من الحيرة ص54.
(4) سورة البقرة: 157.
(5) فرائد السمطين ج2 ص137 رقم /432، ورواه الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في ج1 باب /28 ص308 بتصحيح علي أكبر الغفاري، وفي كتاب عيون أخبار الرضا ج1 الباب السادس ص42، والشيخ الطوسي في أماليه الجزء الحادي عشر ص182 مع فرق.
(6) فرائد السمطين ج2 ص140 ورواه الصدوق في كمال الدين باب 27 ص305 رقم /1.
(7) سورة البقرة: 2ـ3.
(8) سورة المجادلة: 22.
(9) ينابيع المودة الباب السادس والسبعون ص442 و 445.
(10) كفاية الطالب الباب السابع والخمسون ص214 ورواه أبو نعيم في الحلية ج1 ص86 وروى علي بن الحسين بن بابويه من الإمامة والتبصرة خمس أحاديث بهذا المضمون في باب أن الله عزّوجل خصّ آل محمّد بالإمامة دون غيرهم ص40.
(11) فرائد السمطين ج1 ص54.
(12) سورة الشعراء: 227.
(13) ينابيع المودة الباب الرابع ص28.
(14) الإمامة والتبصرة باب: في أن الإمامة عهد من الله تعالى ص37 وص38 والآية في سورة النساء: 58.
(15) الإمامة والتبصرة، وحديث الصحيفة المختومة متواتر، رواه الكليني والصفّار والنعماني والصدوق والطوسي والمجلسي رحمهم الله تعالى.
(16) ينابيع المودة الباب الثامن ص23.
(17) سورة النحل: 89.
(18) سورة فاطر: 32.
(19) ينابيع المودة، الباب الثامن ص23.
(20) ميزان الاعتدال ج1 ص521 رقم 1943.
(21) ينابيع المودة الباب السابع والسبعون ص445.
(22) المصدر، الباب السادس عشر ص85.
(23) سورة المائدة: 12.
(24) سورة الاعراف: 159ـ160.
(25) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص10 و11 مخطوط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *