علي و حديث الراية

علي و حديث الراية
قال الشنقيطي: «قد اتفّق البخاري ومسلم بأسناديهما، عن سلمة بن الاكوع رضي الله عنه، قال: كان علي قد تخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في غزوة خيبر، وكان به رمد، فقال: أنا أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج علي فلحق بالنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فلمّا كان مساء الليلة التّي فتحها الله في صباحها، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لأعطين الرّابعة، أو ليأخذن الرّاية غداً رجلا يحبّه الله ورسوله، أو قال: يحبّ الله ورسوله، يفتح الله عليه فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي فاعطاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الرّاية، ففتح الله عليه. ويتعين رفع رجل على رواية: ليأخذن الرّاية.
وقد اثبتُّ هذا الحديث في كتابي (زاد المسلم) في حرف اللام في أوائل الجزء الثّاني منه.
وفي رواية لمسلم عن سعد بن ابي وقّاص: لأعطينّ الرّاية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: أدعوا لي علّياً، فأوتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. فقد جزم في هذه الرّواية بالجمع له بمحبّة الله ورسوله له، ومحبّته هو لله ولرسوله.
وفي البخاري مرفوعاً عن سهل بن سعد، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «لأعطينّ الرّاية غداً رجلا يفتح الله على يديه، قال: فبات النّاس يدوكون (اي، يخوضون) ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا اصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علّي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: فأرسلوا إليه، فأتوني به، فلّما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرىء حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النّعم(1).
وفي صحيح مسلم مرفوعاً عن أبي هريرة انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال يوم خيبر: «لاعطيّن هذه الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه(2) قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: ما احببت الامارة الاّ يومئذ قال: فتساورت لها رجاء ان ادعى لها، قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي بن أبي طالب عليه السّلام فأعطاه ايّاها وقال: امش ولا تلتفت حتّى يفتح الله عليك، قال: فسار علي شيئاً، ثمّ وقف ولم يلتفت فصرخ: يا رسول الله، على ماذا اقاتل النّاس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا ان لا إله الاّ الله وانّ محمّداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم واموالهم الاّ بحقها وحسابهم على الله.
قوله: فتساورت هو بسين مهملة بعدها الف، ثمّ واو فراء ساكنه، اي تطاولت وتصدّيت باظهار وجهي له لأذكره بنفسي، ففي هذا الحديث الشّهادة من عمر رضي الله عنه لعلّي كرم الله وجهه ورضي عنه بهذه الخصوصيّة العظيمة عنهم جميعاً.
وفي هذا الحديث أيضاً معجزة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، حيث أنه لمّا بصق في عينيه برىء حالا حتّى كأن لم يكن به وجع، وفيه بركة ريقه الشّريف، واقرار النّاس على التبرّك به صلّى الله عليه وآله وسلّم»(3).
ورواه ابن عساكر بإسناده عن عمران بن حصين وسعد(4) والزرندي عن ابن عمر(5)وابن الجزري عن سهل بن سعد(6) والوصابي عن أبي هريرة وعمر وسلمة وأبي سعيد وأبي رافع(7).
وروى الوصّابي باسناده عن بريدة قال: «لمّا نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حصن خيبر، ففزع اهل خيبر، فقالوا: جاء محمّد في أهل يثرب، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمر بن الخطّاب بالنّاس فلقي أهل خيبر فردّوه وكشفوه هو وأصحابه، فرجع يجبّن اصحابه ويجبنه اصحابه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : لأعطيّن الرّاية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، فلمّا كان من الغد تصادر لها أبو بكر وعمر، فدعى علياً وهو يومئذ أرمد، فتفل في عينيه وأعطاه الرّاية، فانطلق بالنّاس فلقي أهل خيبر ولقي مرحباً الخيبري فإذا هو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر انّي مرحب *** شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا الحروب اقبلت تلهّب *** اطعن احياناً وحيناً اضرب
فالتقى هو وعلي فضربه علّي على هامته ضربة بالسّيف غمر السّيف منها بالاضراس وسمعت صوت ضربته العسكر، فما تتامّ آخر النّاس حتّى فتح لأوّلهم»(8).
وقال محمّد بن طلحة: «صحّ النقل في المسانيد الصّحيحة بالأسانيد الصّريحة للأئمة البخاري ومسلم وغيرهما انّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال يوم خيبر: لا عطيّن الراية غداً رجلا يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، فبات النّاس يخوضون ليلتهم، ايّهم يعطاها، فلمّا اصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: يا رسول الله هو يشتكي عينيه قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: فأرسلوا إليه، فأتي به فبصق في عينيه ودعا له فبرء حتّى كأن لم يكن به وجع، فاعطاه الرّاية قال عليه السّلام: أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ قال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله تعالى، فو الله لأنْ يهدي الله تعالى بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النَّعم، فسار علي ففتح الله تعالى على يده»(9).

(1) صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه ج5 ص22 وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص168 ثم قال: «وقد أخرج هذا الحديث الطبراني من حديث ابن عمر، وعلي وابن أبي ليلى، وعمران بن حصين، والبزار من حديث ابن عبّاس».
(2) روى مسلم حديث الراية في صحيحه ج4 باب فضائل علي بن أبي طالب ـ ص1871 ، رقم 2405 .
(3) كفاية الطّالب لمناقب علي بن أبي طالب ص25ـ27.
(4) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج1، ص192 وص205.
(5) نظم درر السمطين ص99 ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص123.
(6) أسنى المطالب ص10 ط مكة المكرمة، ورواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص168 وابن الأثير في أسد الغابة ج4 ص28 وابن حجر في الصواعق ص72.
(7) أسنى المطالب، مخطوط، الباب 11 ص68.
(8) أسنى المطالب في مناقب علّي بن أبي طالب الباب الحادي عشر ص67 مخطوط.
(9) مطالب السّؤل في مناقب آل الرّسول ص 38 مخطوط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *