في قصّة المغافير

في قصّة المغافير
أقول:
إنّ الإماميّة يحتجّون بأحاديث أهل السنّة لإثبات بطلان عقيدتهم في الصحابة وفي خصوص عائشة، ولمّا كانت ظواهر ألفاظ الأحاديث حجةً فهم ملزمون لا محالة بها، ولا فائدة في نزاعهم في دلالة الحديث، بل عليهم الإذعان بمفاده ما داموا يعترفون بصحته….
إنّ ما حدث من عائشة وحفصة من المؤامرة(1) على السيدة زينب بنت جحش في حديث المغافير(2) كان ظلماً لها وإسائةً للنبي صلّى اللّه عليه وآله، وهذا ما لا يمكن لأحد إنكاره أبداً… وهل يجوز لأحد تبرير «الاحتيال» كما في عنوان باب كتاب البخاري؟ وقولهم في الشرح بأنّه: «لم يكن كذباً محضاً وإلاّ لم يسمّ حيلة» إقرارٌ منهم بطرف من الواقع والحقيقة كما لا يخفى….
ووجه استشهاد السيد بهذه الواقعة هو: إن هذه المرأة التي لا تتحمّل ولا تصبر على مكث النبيّ صلّى اللّه عليه وآله عند زينب وشربه العسل في بيتها حتى قامت بهذه المؤامرة مستعينةً بغيرها من الأزواج على ذلك، كيف يركن إلى نفيها الوصاية إلى علي عليه السلام؟ ولماذا يستبعد أن يحدث منها في هذا الباب ما «يكره» ولو لم يكن «كذباً محضاً»، كما حدث منها مع النبي وقد زعم كونها «أحبّ أزواج النبي للنبي»؟
هذا محلّ الاستشهاد، فما هو الجواب سوى الاستبعاد؟!
هذا، وأنت إذا راجعت كتب القوم من المسمّاة بالصحّاح وشروحها وغير ذلك، لرأيت نقلهم القضية بأنحاء مختلفة، مما هو أشبه بالتلاعب بالقضايا والأخبار. فراجع ان شئت شرح البخاري لابن حجر العسقلاني(3).

قيل:
3 ـ أما استدلاله بموقف عائشة يوم زفّت أسماء بنت النعمان عروساً للنبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم. فقالت لها: إن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ باللّه منك… الخ.
فهو حديث ضعيف جداً، ففي سنده هشام وأبيه(4) محمّد بن السائب وهما متروكان.
وقال أحمد بن حنبل: هشام بن محمّد بن السائب الكلبي صاحب سمر و نسب، ما ظننت أن أحداً يحدّث عنه، وقال الدارقطني وغيره متروك، وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة. انظر ميزان الاعتدال 4 : 304.
وفي محمد بن السائب الكلبي: قال البخاري: تركه يحيى وابن مهدي، ثم قال البخاري: قال علي: حدثنا يحيى عن سفيان، قال لي الكلبي: كلّ ما حدّثتك عن أبي صالح فهو كذب. وقال الثوري: اتّقوا الكلبي.
وفي قصة أسماء بنت النعمان هذه، قال السهيلي في الروض الأنف: اتفق العلماء على تزويج النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم إياها، واختلفوا في سبب فراقه لها. انظر البداية والنهاية 5 : 296.

(1) ففي الحديث أنها قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و[آله] وسلّم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أن آيّتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، قال: لا ولكن أشرب عسلاً عنه زينب بنت جحش، فلن أعود له، فلا تخبري بذلك أحداً» وحمل الكلام على الاستفهام غير واضح، إذ فيه: «فلتقل له» وليس: «فلتسأله».
(2) المغافير جمع المغفور، وهو صمغ كريه الرائحة يسيل من بعض الشجر.
(3) فتح الباري 12 : 288 ـ 289.
(4) كذا، والصحيح: أبوه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *