سند حديث الغدير

سند حديث الغدير:
يقول الخصم: «حديث الغدير خبر آحاد مختلف في صحّته…».
فهل نسي أو تناسى قول إمامه ابن تيميّة ـ الذي احتجّ بكلماته ـ: «وقد صنّف أبوالعبّاس بن عقدة مصنّفاً في جمع طرقه»(1)؟!
فطرقه كثيرة حتّى صنّف في جمعها الحافظ ابن عقدة كتاباً، واعترف ابن تيميّة بذلك، فكيف يكون من أخبار الآحاد؟!
وهل جهل أو تجاهل قول الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: «وأمّا حديث: من كنت مولاه فعليُّ مولاه، أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»(2)؟!
وفي هذا الكلام:
1 ـ إنّ حديث الغدير كثير الطرق جدّاً.
2 ـ أخرجه الترمذي والنسائي؛ وهما من أرباب الصحاح.
3 ـ استوعب طرقه ابن عقدة في كتاب مفرد.
4 ـ كثير من أسانيدها صحاح وحسان.
وفي كلام آخر لابن حجر العسقلاني التصريح بتأليف أبي جعفر الطبري أيضاً كتاباً في ذلك؛ قال: «وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلَّف فيه أضعاف مَن ذكر، وصحّحه، واعتنى بجمع طرقه أبو العبّاس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابيّاً أو أكثر»(3).
وفي هذا الكلام:
1 ـ إنّ ابن جرير الطبري جمع طرق حديث الغدير في مؤلَّف فيه أضعاف ما ذكره ابن عبدالبرّ والمزّي.
2 ـ إنّ ابن جرير صحَّح حديث الغدير.
3 ـ إنّ ابن عقدة أخرجه من حديث سبعين صحابيّاً أو أكثر.
وقال الذهبي في حديث الغدير: «رأيت مجلّداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»(4).
وقال ابن كثير: «وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلَّدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه طرق حديث الطير»(5).
وروى ابن كثير بالإسناد عن أبي هريرة، قال: «لمّا أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بيد عليّ قال: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، فأنزل اللّه عزّوجلّ: (اليوم أكملت لكم دينكم). قال أبوهريرة: وهو يوم غدير خمّ، مَن صام يوم ثمان عشر من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهراً».
ثمّ ردّ على نزول الآية في يوم الغدير، وعلى فضل صيامه، لكنّ المقصود هنا أنّه نقل عن الذهبي قوله في: «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه»: «صدر الحديث متواتر، أتيقّن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قاله. وأمّا: اللّهمّ وال من والاه، فزيادة قويّة الإسناد»(6).
فثبت من شهادة الذهبي وابن كثير تواتر حديث الغدير، وكفى بهما حجّة!!
كما شهد بتواتره الحفّاظ: ابن الجزري(7) والسيوطي، والمناوي(8)، والمتّقي الهندي؛ إذ أورده في كتابه: قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة.
فقول الخصم الأثيم: «يزعم الرافضة أنّ حديث الغدير متواتر، في حين أنّه حديث آحاد مختلف في صحّته؛ فقد طعن جماعة من أئمّة الحديث في صحّته، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم وابن تيمية وابن الجوزي» تعصّب وعناد..
أمّا أوّلاً: فإنّ الرافضين لخلافة المتقدّمين على أمير المؤمنين، إنّما يدّعون تواتر هذا الحديث استناداً إلى روايات أهل السنّة وشهادات الأئمّة الأعلام منهم.
وأمّا ثانياً: فلو ثبت أنّ أحداً من القوم طعن في صحّة حديث الغدير فما هو إلاّ بالنظر إلى بعض أسانيده، لا كلّها؛ لأنّ الذهبي ـ وهو متأخّر عمّن ذكرهم ـ يقول: «متواتر أتيقّن أن رسول اللّه قاله».
وأمّا ثالثاً: فقد نصّ الحافظ أبو الخطّاب ابن دحية الأندلسي ـ بعد حديث الولاية ـ على أنّ من عادة البخاري في صحيحه أن يورد أحاديث مناقب عليّ ناقصةً مبتّرة، وأنّ السبب في ذلك انحرافه عنه عليه الصلاة والسلام(9).
وعلى هذا، فإنّ تكلّم البخاري في حديث الغدير، وعدم إخراجه في صحيحه، إنّما يعدّ من مطاعن البخاري ومساوئ كتابه، وهي كثيرة جدّاً، ولأجلها تكلّم فيه وفي كتابه كبار أئمّة القوم، كالذهلي وأبي حاتم الرازي وأبي زرعة الرازي، وغيرهم(10)..
وأمّا الأحاديث الباطلة والمكذوبة المخرّجة في صحيح البخاري فهي كثيرة كذلك، كما لا يخفى على من راجع شروحه وغيرها من كتب الحديث(11).
وإذا كان هذا حال البخاري، فما ظنّك بغيره؟!
وقوله: «أمّا الزيادة وهي قوله: اللّهمّ وال من والاه…» فيكفي في ردّه قول الذهبي ـ في ما نقل عنه ابن كثير ـ: «وأمّا: اللّهمّ وال من والاه… فزيادة قويّة الإسناد»، لكنّي أذكر جماعةً من الأئمّة رووه بأسانيدهم مع تنصيص الحافظ الهيثمي على صحّتها؛ فقد جاء في مجمع الزوائد في باب: «قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه»(12):
«رواه أحمد والطبراني إلاّ أنّه قال: قالوا سمعنا رسول اللّه يقول: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه… ورجال أحمد ثقات».
«وعن أبي الطفيل… قال: مَن كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه… رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة».
«وعن عمرو ذي مر وسعيد بن وهب، وعن زيد بن يُثَيع، قالوا: سمعنا عليّاً يقول… قالوا: فأخذ بيد عليّ فقال: مَن كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعاد من عاداه، وأحبّ مَن أحبّه وأبغض مَن يبغضه، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله. رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة، وهو ثقة»(13).
«وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى… قال: فمَن كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه. رواه أبويعلى ورجاله وثّقوا، وعبداللّه بن أحمد».
«وعن زيد بن أرقم، قال: نشد عليّ الناس: أُنشد اللّه رجلاً سمع النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه. فقام اثنا عشر بدريّاً فشهدوا بذلك، وكنت في مَن كتم فذهب بصري..
رواه الطبراني في الكبير والأوسط خالياً من ذهاب البصر والكتمان ودعاء عليّ. وفي رواية عنده: (وكان عليّ دعا على من كتم)، ورجال الأوسط ثقات».
«وعن حبشي بن جنادة، قال: سمعت رسول اللّه يقول يوم غدير خمّ: اللّهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد مَن عاداه وانصر مَن نصره، وأعن من أعانه..
رواه الطبراني ورجاله وثّقوا».
فهذا موجز الكلام في وجه استدلال علماءنا الكرام بهذا الحديث الشريف من جهة السند… مضافاً إلى ما ذكره السيّد.
وتبقى جهة الدلالة..

(1) منهاج السُنّة 7 : 320.
(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7 : 61.
(3) تهذيب التهذيب 7 : 297 ترجمة أمير المؤمنين.
(4) تذكرة الحفّاظ 1 : 713، ترجمة محمّد بن جرير الطبري.
(5) البداية والنهاية 11 : 147، ترجمة محمّد بن جرير الطبري.
(6) البداية والنهاية 5 : 213 ـ 214.
(7) أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: 48.
(8) التيسير في شرح الجامع الصغير 2 : 442.
(9) نقله الإمام المجاهد السيّد مير حامد حسين النيسابوري الهندي، عن كتاب شرح أسماء النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وقال صاحب كشف الظنون 2 : 1675 : «المستوفى في أسماء المصطفى، لأبي الخطّاب ابن دحية عمر بن علي السبتي اللغوي، المتوفّى سنة 633…»..
وتوجد ترجمة أبي الخطّاب ابن دحية في: سير أعلام النبلاء 22 : 389، تذكرة الحفّاظ 4 : 1420، البداية والنهاية 13 : 144، شذرات الذهب 5 : 160، وفيات الأعيان 3 : 448، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 1 : 355 رقم 71، بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة 2 : 218، وغيرها.
(10) انظر: هدي الساري في مقدّمة فتح الباري 2 : 263 ـ 264، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ: 2 : 228، سير أعلام النبلاء 12 : 455، فيض القدير شرح الجامع الصغير 1 : 24، وغيرها من كتب القوم..
ولهذا السبب أورد الحافظ الذهبي البخاري في كتاب المغني في الضعفاء والمتروكين 2 : 268، وميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 : 485.
(11) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7 : 127، وص 353، وج 8 : 271، و ص 406، وص 541، وج 11 : 26، إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 6 : 536، وج 7 : 148، وج 8 : 41، وعمدة القاري في شرح صحيح البخاري 7 : 46، وج 17 : 246، صحيح البخاري بشرح الكرماني 25 : 204.
(12) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9 : 103 ـ 109.
(13) جاء في هامشه: «فطر» أخرج له خ أيضاً. ابن حجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *