الدلالة

* وأمّا الدلالة
فقد ذكر السيّد رحمه اللّه في الجواب عمّا يقال من كون «الوليّ» مشتركاً لفظيّاً ما نصّه:
«ذكرتم في جملة معاني الوليّ: إنّ كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه، وهذا هو المقصود من الوليّ في تلك الأحاديث، وهو المتبادر عند سماعها، نظير قولنا: ولي القاصر أبوه وجدّه لأبيه، ثمّ وصي أحدهما، ثمّ الحاكم الشرعي؛ فإنّ معناه أنّ هؤلاء هم الّذين يلون أمره ويتصرّفون بشؤونه.
والقرائن على إرادة هذا المعنى من الوليّ في تلك الأحاديث لا تكاد تخفى على أُولي الألباب؛ فإنّ قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «وهو وليّكم بعدي» ظاهر في قصر هذه الولاية عليه، وحصرها فيه، وهذا يوجب تعيين المعنى الذي قلناه، ولا يجتمع مع إرادة غيره؛ لأنّ النصرة والمحبّة والصداقة ونحوها غير مقصورة على أحد، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض..
وأيّ ميزة أو مزية أراد النبيّ إثباتها في هذه الأحاديث لأخيه ووليّه، إذا كان معنى الوالي غير الذي قلناه؟!
وأي أمر خفيّ صدع النبيّ في هذه الأحاديث ببيانه، إذا كان مراده من الوليّ: النصير أو المحبّ أو نحوهما؟!
وحاشا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يهتمّ بتوضيح الواضحات، وتبيين البديهيات..
إنّ حكمته البالغة، وعصمته الواجبة، ونبوّته الخاتمة لأعظم ممّا يظنّون.
على أنّ تلك الأحاديث صريحة في أنّ تلك الولاية إنّما تثبت لعليّ بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهذا أيضاً يوجب تعيين المعنى الذي قلناه، ولا يجتمع مع إرادة النصير والمحبّ وغيرهما؛ إذا لا شكّ باتّصاف عليّ بنصرة المسلمين ومحبّتهم وصداقتهم منذ ترعرع في حجر النبوّة، واشتدّ ساعده في حضن الرسالة، إلى أن قضى نحبه عليه السلام، فنصرته ومحبّته وصداقته للمسلمين غير مقصورة على ما بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كما لا يخفى.
وحسبك من القرائن على تعيين المعنى الذي قلناه، ما أخرجه الإمام أحمد في ص 347 من الجزء الخامس من مسنده، بالطريق الصحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن بريدة، قال: غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذكرت عليّاً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول اللّه يتغيّر، فقال: يا بريدة! ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟!
قلت: بلى يا رسول اللّه.
قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. انتهى.
وأخرجه الحاكم في ص 110 من الجزء الثالث من المستدرك، وصحّحه على شرط مسلم..
وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحّته على شرط مسلم أيضاً.
وأنت تعلم ما في تقديم قوله: «ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟!» من الدلالة على ما ذكرناه..
ومن أنعم النظر في تلك الأحاديث وما يتعلّق بها لا يرتاب في ما قلناه. والحمد للّه»(1).

أقول:
ومن القرائن: الحديث الذي استدلّ به السيّد ـ وأغفله المعترض ـ أنّ النبيّ قال لعليّ: «سألت اللّه فيك خمساً»؛ فإنّه حديث واضحٌ في الدلالة على المطلوب، وقد رواه عدّة من أعلام القوم، كالرافعي والخطيب البغدادي وغيرهما….
ونحن نورده من كتاب الرافعي، فإنّه قال بترجمة «إبراهيم بن محمّد الشهرزوري»:
«إبراهيم بن محمّد بن عبيد بن جهينة، أبو إسحاق الشهروزي: ذكر الخليل الحافظ: إنّه كان يدخل قزوين مرابطاً، وأنّه سمع بالشام ومصر والعراق، وروى بقزوين الكتاب الكبير للشافعي، سمعه منه: أبو الحسين القطّان، وأبو داود سليمان بن يزيد..
قال: وأدركت من أصحابه: علي بن أحمد بن صالح، ومحمّد بن الحسين بن فتح كيسكين.
وروى أبو إسحاق عن هارون بن إسحاق الهمداني، وعن عبيداللّه بن سعيد بن كثير بن عفير، والربيع بن سليمان.
وسمع بقزوين: أبا حامد أحمد بن محمّد بن زكريا النيسابوري.
وحدّث بقزوين سنة 298 فقال:
ثنا عبيداللّه بن سعيد بن كثير بن عفير، ثنا إبراهيم بن رشيد أبو إسحاق الهاشمي الخراساني، حدّثني يحيى بن عبداللّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، قال:
سألت اللّه ـ يا عليّ! ـ فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت اللّه أن يجمع عليك أُمّتي فأبى علَيّ، وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت، معي لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك أخي في الدنيا والآخرة، وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة، وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي»(2).
فهذا الحديث من جملة القرائن لحديث المؤاخاة، ولحديث الولاية، وفيه عدّة من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام، منها: كونه عليه الصلاة والسلام وليّ المؤمنين بعد رسول اللّه عليه السلام، فيدلُّ لفظ «الولاية» على مرتبة ومنقبة ليست لأحد بعد رسول اللّه، فليس معناها «النصرة» وغيرها من معاني «الوليّ» بناءً على كونه مشتركاً لفظيّاً.

(1) المراجعات : 139 ـ 141.
(2) التدوين في أخبار قزوين 2 : 126.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *