نصُّ الدار يوم الإنذار

نصُّ الدار يوم الإنذار

قال السيّد:
«وحسبك منها ما كان في مبدإ الدعوة الإسلامية قبل ظهور الإسلام بمكّة، حين أنزل اللّه تعالى عليه: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، فدعاهم إلى دار عمّه، وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب، والحديث في ذلك من صحاح السُنن المأثورة، وفي آخره قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم:
يا بني عبدالمطلب! إنّي ـ واللّه ـ ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه أنْ أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟!
فقال عليّ وكان أحدثهم سناً: أنا يا نبيّ اللّه أكون وزيرك عليه.
فأخذ رسول اللّه برقبة علي، وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. انتهى.
أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظة الآثار النبوية، كابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي في سُننه وفي دلائله، والثعلبي والطبري في تفسير سورة الشعراء من تفسيريهما الكبيرين.
وأخرجه الطبري أيضاً في الجزء الثاني من كتابه: تاريخ الأُمم والملوك(1).
وأرسله ابن الأثير إرسال المسلّمات في الجزء الثاني من كامله(2)، عند ذكره أمر اللّه نبيّه بإظهار دعوته.
وأبوالفداء في الجزء الأوّل من تاريخه(3)، عند ذكره أوّل من أسلم من الناس.
ونقله الإمام أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في كتابه: نقض العثمانية، مصرّحاً بصحّته(4).
وأورده الحلبي في باب استخفائه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه في دار الأرقم(5)، من سيرته المعروفة.
وأخرجه بهذا المعنى مع تقارب الألفاظ غير واحد من أثبات السُنّة وجهابذة الحديث، كالطحاوي، والضياء المقدسي في المختارة، وسعيد بن منصور في السُنن.
وحسبك ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث عليّ في ص 178 وفي ص 257 من الجزء الأوّل من مسنده، فراجع.
وأخرج في أوّل ص 544 من الجزء الأوّل من مسنده أيضاً حديثاً جليلاً عن ابن عبّاس يتضمّن هذا النصّ في عشر خصائص ممّا امتاز به عليّ على من سواه.
وذلك الحديث الجليل أخرجه النَسائي أيضاً عن ابن عبّاس في ص 52 من خصائصه العَلَوية، والحاكم في ص 132 من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك، وأخرجه الذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته.
ودونك الجزء السادس [13] من كتاب كنز العمّال، فإنّ فيه التفصيل(6).
وعليك بـ: منتخب الكنز وهو مطبوع في هامش مسند الإمام أحمد، فراجع منه ما هو في هامش ص 41 إلى ص 43 من الجزء الخامس تجد التفصيل؛ وحسبنا هذا ونعم الدليل(7).

تصحيح هذا النصّ:
لولا اعتباري صحّته من طريق أهل السُنّة ما أوردته هنا.
على أن ابن جرير، والإمام أبا جعفر الإسكافي، أرسلا صحّته إرسال المسلّمات(8).
وقد صحّحه غير واحد من أعلام المحقّقين.
وحسبك في تصحيحه ثبوته من طريق الثقات الأثبات، الّذين احتجّ بهم أصحاب الصحاح بكلّ ارتياح.
ودونك ص 178 من الجزء الأوّل من مسند أحمد، تجده يخرج هذا الحديث عن أسود بن عامر(9)، عن شريك(10)، عن الأعمش(11)، عن المنهال(12)، عن عباد بن عبداللّه الأسدي(13)، عن عليّ مرفوعاً.
وكلّ واحد من سلسلة هذا السند حجّة عند الخصم، وكلّهم من رجال الصحاح بلا كلام، وقد ذكرهم القيسراني في كتابه الجمع بين رجال الصحيحين؛ فلا مندوحة عن القول بصحّة الحديث.
على أنّ لهم فيه طرقاً كثيرة يؤيّد بعضها بعضاً، وإنّما لم يخرجه الشيخان وأمثالهما؛ لأنّهم رأوه يصادم رأيهم في الخلافة، وهذا هو السبب في إعراضهم عن كثير من النصوص الصحيحة، خافوا أن تكون سلاحاً للشيعة، فكتموها وهم يعلمون..
وإنّ كثيراً من شيوخ أهل السُنّة ـ عفا اللّه عنهم ـ كانوا على هذه الوتيرة، يكتمون كلّ ما كان من هذا القبيل، ولهم في كتمانه مذهب معروف، نقله عنهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
وعقد البخاري لهذا المعنى باباً في أواخر كتاب العلم من الجزء الأوّل من صحيحه، فقال(14): (الباب من خصّ بالعلم قوماً دون قوم).
ومن عرف سريرة البخاري تجاه أمير المؤمنين وسائر أهل البيت، وعلم أنّ يراعته ترتاع من روائع نصوصهم، وأنّ مداده ينضب عن بيان خصائصهم، لا يستغرب إعراضه عن هذا الحديث وأمثاله، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

الوجه في احتجاجنا بهذا الحديث.
الخلافة الخاصّة منفيّة بالإجماع.
النسخ هنا محال.
إنّ أهل السُنّة يحتجّون في إثبات الإمامة بكلّ حديث صحيح، سواء كان متواتراً أو غير متواتر، فنحن نحتجّ عليهم بهذا لصحّته من طريقهم، إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم، وأمّا استدلالنا به على الإمامة فيما بيننا، فإنّما هو لتواتره من طريقنا كما لا يخفى.
ودعوى: أنّه إنّما يدلّ على أنّ عليّاً خليفة رسول اللّه في أهل بيته خاصّة، مردودة بأنّ كلّ من قال بأنّ عليّاً خليفة رسول اللّه في أهل بيته، قائل بخلافته العامّة، وكلّ من نفى خلافته العامّة، نفى خلافته الخاصّة، ولا قائل بالفصل، فما هذه الفلسفة المخالفة لإجماع المسلمين؟!
وما نسيت فلا أنسَ القول بنسخه، وهو محال عقلاً وشرعاً، لأنّه من النسخ قبل حضور زمن الابتلاء كما لا يخفى، على أنّه لا ناسخ هنا إلاّ ما زعمه من إعراض النبيّ عن مفاد الحديث..
وفيه: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يعرض عن ذلك، بل كانت النصوص بعده متوالية ومتواترة، يؤيّد بعضها بعضاً، ولو فرض أن لا نصّ بعده أصلاً، فمن أين علم إعراض النبيّ عن مفاده، وعدوله عن مؤدّاه؟! (إن يتبعون إلاّ الظنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى)(15)، والسلام».

أقول:
يقع الكلام في هذا المقام في جهات:

(1) ص 320 ـ 322، بطرق مختلفة.
(2) ص 60.
(3) ص 116.
(4) كما في ص 244 من المجلّد 13 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، طبع مصر. أمّا كتاب نقض العثمانية، فإنّه ممّا لا نظير له، فحقيق بكلّ بحّاث عن الحقائق أن يراجعه، وهو موجود في ص 215 وما بعدها إلى ص 295 من المجلّد 13 من شرح النهج، في شرح آخر الخطبة القاصعة.
(5) راجع الصفحة الرابعة من ذلك الباب، أو ص 283 من الجزء الأوّل من السيرة الحلبية، ولا قسط لمجازفة ابن تيميّة وتحكّماته التي أوحتها إليه عصبيته المشهورة.
وهذا الحديث أورده الكاتب الاجتماعي المصري محمّد حسين هيكل، فراجع العمود الثاني من الصفحة الخامسة من ملحق عدد 2751 من جريدته (السياسة) الصادر في 12 ذي القعدة سنة 1350، تجده مفصّلاً، وإذا راجعت العمود الرابع من صفحة 6 من ملحق عدد 2785 من (السياسة) تجده ينقل هذا الحديث عن كلّ من: مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، وعبداللّه بن أحمد في زيادات المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد، وابن قتيبة في عيون الأخبار، وأحمد بن عبد ربّه في العقد الفريد، وعمرو بن بحر الجاحظ في رسالته عن بني هاشم، والإمام أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره..
قلت: ونقل هذا الحديث جرجس الانگليزي في كتابه الموسوم مقالة في الإسلام، وقد ترجمه إلى العربية ذلك الملحد البروتستانتي الذي سمّى نفسه بهاشم العربي، والحديث تجده في صفحة 79 من ترجمة المقالة في الطبعة السادسة.
ولشهرة هذا الحديث ذكره عدّة من الإفرنج في كتبهم الفرنسية والانگليزية والألمانية، واختصره توماس كارليل في كتابه الأبطال.
(6) راجع منه: الحديث 36371 في ص 114 تجده منقولاً عن ابن جرير.. والحديث 36408 في ص 128 تجده منقولاً عن أحمد في مسنده، والضياء المقدسي في المختارة، والطحاوي، وابن جرير وصحّحه.. والحديث 36419 في ص 131 تجده منقولاً عن ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل.. والحديث 36465 ص 149 تجده منقولاً عن ابن مردويه.. والحديث 36520 في ص 174 تجده منقولاً عن أحمد في مسنده، وابن جرير، والضياء في المختاره..
ومن تتّبع كنز العمّال وجد هذا الحديث في أماكن أُخر شتّى، وإذا راجعت ص 255 من المجلّد الثالث من شرح النهج للإمام المعتزلي الحديدي، أو أواخر شرح الخطبة القاصعة منه، تجد هذا الحديث بطوله.
(7) المراجعات: 110 ـ 112.
(8) راجع: الحديث 36408 من أحاديث الكنز في ص 128 من جزئه الثالث عشر تجد هناك تصحيح ابن جرير لهذا الحديث، وإذا راجعت من منتخب الكنز ما هو في أوائل هامش ص 43 من الجزء 5 من مسند أحمد تجد تصحيح ابن جرير لهذا الحديث أيضاً.
أمّا أبو جعفر الإسكافي فقد حكم بصحّته جزماً في كتابه نقض العثمانية، فراجع ما هو موجود في ص 244 من المجلّد 13 من شرح نهج البلاغة للحديدي، طبع مصر.
(9) احتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، وقد سمع شعبة عندهما، وسمع عبدالعزيز بن أبي سلمة عند البخاري،، وسمع عند مسلم زهير بن معاوية، وحمّاد بن سلمة، روى عنه في صحيح البخاري محمّد بن حاتم بن بزيع، وروى عنه في صحيح مسلم هارون بن عبداللّه، والناقد، وابن أبي شيبة، وزهير.
(10) احتجّ به مسلم في صحيحه، كما أوضحناه عند ذكره في المراجعة 16.
(11) احتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، كما بيّنّاه عند ذكره في المراجعة 16.
(12) احتجّ به البخاري، كما أوضحناه عند ذكره في المراجعة 16.
(13) هو عباد بن عبداللّه بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي، احتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، سمع أسماء وعائشة بنتي أبي بكر، وروى عنه في الصحيحين ابن أبي مليكة، ومحمّد بن جعفر بن الزبير، وهشام بن عروة.
(14) في ص 67.
(15) سورة النجم 53 : 23.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *