قوله تعالى: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولّ اللّه ورسوله والّذين آمنوا فإنّ حزب اللّه هم الغالبون)

قوله تعالى: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولّ اللّه ورسوله والّذين آمنوا فإنّ حزب اللّه هم الغالبون)(1).

قال السيّد طاب ثراه:
«ألم يجعل لهم الولاية العامّة؟ ألم يقصرها بعد الرسول عليهم؟! فاقرأ: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولّ اللّه ورسوله والّذين آمنوا فإنّ حزب اللّه هم الغالبون)».

وقال في الهامش:
«أجمع المفسّرون ـ كما اعترف به القوشجي، وهو من أئمّة الأشاعرة، في مبحث الإمامة من شرح التجريد ـ على أنّ هذه الآية إنّما نزلت في عليّ، حين تصدّق راكعاً في الصلاة.
وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في عليّ، عن عبداللّه بن سلام.
وأخرج نزولها فيه أيضاً صاحب الجمع بين الصحاح الستّة، في تفسير سورة المائدة.
وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أمير المؤمنين، كما سنوضّحه عند إيرادها»(2).

فقيل:
قول المؤلّف: «أجمع المفسّرون… على أنّ هذه الآية إنّما نزلت في علي…»، من جنس قول سلفه ابن المطهّر الحلّي في منهاج الكرامة، والردّ عليه هو ما ردّ به شيخ الإسلام ابن تيميّة على ابن المطهّر في منهاج السُنّة النبوية 4 / 3 ـ 9، فقد قال رحمه اللّه من جملة ردّه:
قوله: أجمعوا أنّها نزلت في عليّ.
من أعظم الدعاوي الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع.
وأمّا ما نقله من تفسير الثعلبي، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أنّ الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أوّل كلّ سورة عن أبي أُمامة في فضل تلك السورة وكأمثال ذلك، ولهذا يقولون: هو كحاطب ليل، وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسّرين ينقلون الصحيح والضعيف، ولهذا لمّا كان البغوي عالماً بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئاً من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أنّ الثعلبي فيه خير ودين، لكنّه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يميز بين السُنّة والبدعة في كثير من الأقوال.
وأمّا أهل العلم الكبار، أهل التفسير، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وبقيّ بن مخلد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبدالرحمن بن إبراهيم دُحيم، وأمثالهم، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات، دع من هو أعلم منهم، مثل تفسير أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ولا يذكر مثل هذا عند ابن حميد، ولا عبدالرزّاق ـ مع أنّ عبدالرزّاق كان يميل إلى التشيّع، ويروي كثيراً من فضائل علي، وإن كانت ضعيفة، لكنّه أجلُّ قدراً من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر ـ.
وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرّد خبر يرويه الواحد من جنس الثعلبي، والنقّاش، والواحدي، وأمثال هؤلاء المفسّرين، لكثرة ما يروونه من الحديث، ويكون ضعيفاً، بل موضوعاً….
وإنّما المقصود هنا بيان افتراء هذا المصنّف أو كثرة جهله حيث قال: قد أجمعوا أنّها نزلت في عليّ، فياليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم العالمين بالإجماع في مثل هذه الأُمور؟! فإنّ نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل من غير أهل العلم بالمنقولات وما فيها من إجماع واختلاف، فالمتكلّم والمفسّر والمؤرّخ ونحوهم، لو ادّعى أحدهم نقلاً مجرّداً بلا إسناد ثابت، لم يعتمد عليه، فكيف إذا ادّعى إجماعاً؟!(3).
هذا، وقد ذكر الواحدي هذا الحديث من رواية محمّد بن مروان السدّي، عن محمّد بن السائب عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، عن عبداللّه بن سلام.
أمّا أبو صالح باذام أو باذان:
فقد قال ابن معين: ليس به بأس، وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن عديّ: عامّة ما يرويه تفسير، وما أقلّ ما له من المسند، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير، ولم أعلم أحداً من المتقدّمين رضيه.
وقال ابن حبّان: يحدّث عن ابن عبّاس ولم يسمع منه.
وأمّا محمد بن السائب الكلبي، فنكتفي هنا بما قاله عنه أبو حاتم الرازي حيث قال: الناس مجمعون على ترك حديثه، هو ذاهب الحديث، لا يشتغل به.
وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.
وقال ابن حبّان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، روى عن أبي صالح التفسير، وأبو صالح لم يسمع من ابن عبّاس، لا يحلّ الاحتجاج به.
وقال الساجي: متروك الحديث، وكان ضعيفاً جدّاً، لفرطه في التشيّع، وقد اتّفق ثقات أهل النقل على ذمّة وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع.
قلت: ومن أراد الاستزادة من الكلام على محمّد بن السائب فليراجع تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، فقد جمع فأوعى.
وأمّا محمّد بن مروان السدّي، قال عبدالسلام بن حازم عن جرير بن عبدالحميد: كذّاب.
وقال ابن معين: ليس بثقة.
وقال ابن نمير: ليس بشيء.
وقال صالح بن محمّد: كان ضعيفاً وكان يضع.
وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه ألبتّة».

أقول:
اعلم أنّ السيّد رحمه اللّه سيتعرّض للاستدلال بهذه الآية المباركة في المراجعة رقم 40 فما بعد، وهو ما أشار إليه بقوله: «كما سنوضّحه عند إيرادها».
وقد ذكر هناك أسماء عدّة من الأئمّة الرواة لحديث نزول الآية في الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وبيّن وجه الاستدلال بها على إمامته وولايته العامّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بصورة مفصّلة….
أمّا هنا، فاكتفى بما يلي:

(1) سورة المائدة 5 : 55 و 56.
(2) المراجعات: 28.
(3) منهاج السُنّة 7 : 11 ـ 14.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *