قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم)

قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم)(1).

قال السيّد رحمه اللّه:
«أليسوا من الّذين أنعم اللّه عليهم، وأشار في السبع المثاني والقرآن العظيم إليهم فقال: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم)؟!».

فقال في الهامش:
«أخرج الثعلبي في تفسير الفاتحة من تفسيره الكبير، عن أبي بريدة: إنّ الصراط المستقيم هو صراط محمّد وآله.
وعن تفسير وكيع بن الجرّاح، عن سفيان الثوري، عن السدّي، عن أسباط ومجاهد، عن ابن عبّاس، في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) قال: قولوا: أرشدنا إلى حبّ محمّد وأهل بيته»(2).

أقول:
وأخرج الحافظ الحاكم الحسكاني كلا الخبرين بإسناده، حيث قال:
«أخبرنا الحاكم الوالد أبو محمّد عبداللّه بن أحمد، حدّثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ببغداد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني حامد بن سهل، قال: حدّثني عبداللّه بن محمّد العجلي، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا أبو جابر، عن مسلم بن حيّان:
عن أبي بريدة، في قول اللّه تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) قال: صراط محمّد وآله.
أخبرنا عقيل بن الحسين الفسوي، قال: حدّثنا علي بن الحسين بن قيدة الفسوي، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن عبداللّه، قال: حدّثنا أبو أحمد محمّد بن عبيد ببغداد، قال: حدّثنا عبداللّه بن أبي الدنيا، قال: حدّثنا وكيع بن الجرّاح، قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن السدّي، عن أسباط ومجاهد:
عن ابن عبّاس، في قول اللّه تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) قال: يقول: قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته»(3).
وكذلك رواه غير واحد من أصحابنا، قال الحافظ ابن شهرآشوب السروي، المتوفّى سنة 588: «ومن تفسير وكيع بن الجرّاح، عن سفيان الثوري، عن السدّي، عن أسباط ومجاهد، عن عبداللّه بن عبّاس، في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم)قال: قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته.
تفسير الثعلبي، وكتاب ابن شاهين: عن رجاله، عن مسلم بن حيّان، عن بريدة، في قول اللّه (اهدنا الصراط المستقيم) قال: صراط محمّد وآله»(4).
وهذا تفسير أئمّة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام(5).
وإلى هنا، فالتفسير عن أئمّة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وابن عبّاس وبريدة بن الحصيب.
وروى الحافظ الحسكاني عن عدّة من الصحابة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم أنّ عليّاً هو «الصراط المستقيم»، ومن ذلك ما رواه بسنده عن الحافظ ابن أبي حاتم، قال: «حدّثنا هارون بن إسحاق، قال: حدّثني عبدة بن سليمان، قال: حدّثنا كامل بن العلاء، قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير:
عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعليّ بن أبي طالب: أنت الطريق الواضح، وأنت الصراط المستقيم، وأنت يعسوب المؤمنين»(6).
هذا، ولا يخفى أنّ «عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي» من كبار أئمّة القوم في الحديث والتفسير والرجال؛ قال الذهبي: «قال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمّد علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه، وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، قال: وكان زاهداً، يعدّ من الأبدال».
وذكر الذهبي عن أبي الحسن الرازي الخطيب: «سمعت عبّاس بن أحمد يقول: بلغني أنّ أبا حاتم قال: ومن يقوى على عبادة عبدالرحمن! لا أعرف لعبد الرحمن ذنباً».
وقال الذهبي ـ في ذكر كتبه ـ: «وله تفسير كبير، في عدّة مجلّدات، عامّته آثار بأسانيده، من أحسن التفاسير»(7).

قلت:
وقد أثنى ابن تيميّة على تفسير ابن أبي حاتم، حيث ذكره في عداد التفاسير المعتبرة المقبولة فقال:
«أهل العلم الكبار أهل التفسير، مثل الطبري، وبقيّ بن مخلّد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأمثالهم، لم يذكروا الموضوعات».
وقال عن الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر وجماعة: «الّذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمّنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير»(8).
وروى الحافظ الحسكاني بأسانيد فيها جمع من الأئمّة الأعلام ـ كعبد الرزّاق بن همّام، والثوري، والمطيّن، والحاكم النيسابوري ـ عن حذيفة بن اليمان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «وإن تولّوا عليّاً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم»(9).
وقال الحاكم الحسكاني الحافظ:
«حدّثني أبو عثمان الزعفراني، قال: أخبرنا أبو عمرو السناني، قال: أخبرنا أبو الحسن المخلّدي، قال: حدّثنا يونس بن عبدالأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم:
عن أبيه، في قول اللّه تعالى: (صراط الّذين أنعمت عليهم) قال: النبيّ ومن معه، وعليّ بن أبي طالب وشيعته»(10).
وهذا صحيح على أُصولهم:
فأمّا «أبو عثمان الزعفراني» فهو: سعيد بن محمّد بن أحمد البحيري، ذكره الحافظ السمعاني ـ بعد أن ترجم لأبيه وجدّه ـ فقال:
«كان شيخاً، جليلاً، ثقة، صدوقاً، من بيت التزكية، رحل إلى العراق والحجاز، وأدرك الأسانيد العالية، وعمّر العمر الطويل، حتّى حدّث بالكثير وأملى. سمع بنيسابور أبا عمرو محمّد بن أحمد بن حمدان الحيري… ووفاته في ربيع الآخر سنة 451»(11).
وترجم له أبو الحسن عبدالغافر النيسابوري فقال: «أبو عثمان البحيري، سعيد بن محمّد… شيخ كبير ثقة، من بيت التزكية والعدالة، وقد ذكر الحاكم بيته وأسلافه في التاريخ. وهذا أبو عثمان من وجوه أهل البيت، من جملة المتصوّفة، سمع الكثير بخراسان والعراق….
قال أبو الحسن: ولدت بعد وفاته بخمسة أيّام، ليلة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين»(12).
وأمّا «أبو عمرو السناني» فقد ترجم له الحافظ السمعاني كذلك، حيث قال:
«أبو عمرو محمّد بن أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري، من الثقات الأثبات، سمع أبا يعلى الموصلي والحسن بن سفيان والبغوي والباغندي، وغيرهم. روى عنه: الحاكم أبو عبداللّه الحافظ، وأبو نعيم الأصبهاني. وآخر من روى عنه: أبو سعد الكنجرودي، توفّي في سنة 380»(13).
وقال الذهبي بترجمته: «الإمام المحدّث الثقة، النحوي البارع، الزاهد العابد، مسند خراسان، أبو عمرو محمّد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري… ومناقبه جمّة. رحمه اللّه».
ثمّ ذكر مشايخه والرواة عنه، وطرفاً من ترجمة الحاكم له، وتنصيصه على أنّ سماعاته صحيحة… ثمّ قال الذهبي: «وقال الحافظ محمّد بن طاهر المقدسي: كان يتشيّع. قلت: تشيّعه خفيف كالحاكم. وقع لي جملة من عواليه، وخرّجت من طريقه كثيراً»(14).
وأمّا «أبو الحسن المخلّدي» فهو: محمّد بن عبداللّه بن محمّد بن مخلّد الهروي المخلّدي النيسابوري، ذكره الحافظ السمعاني فقال: «يروي عن أبي طاهر بن السرّاج، وأبي الربيع بن أخي رشدين، وأحمد بن سعيد الهمذاني، وطبقتهم. روى عنه: أبو عمرو الحيري، وأبو بكر بن علي، وأبو حفص بن حمدان، وغيرهم»(15).
وأمّا «يونس بن عبدالأعلى» فمن رجال مسلم والنسائي وابن ماجة. وممّن حدّث عنه من الأعلام: أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن خزيمة، وأبو عوانة، والطحاوي….
وصفه الذهبي بـ: «الإمام، شيخ الإسلام» وقال: «كان كبير المعدّلين والعلماء في زمانه بمصر» فنقل ثقته عن النسائي وأبي حاتم وغيرهما. وقال: «بين مشايخنا وبينه خمسة أنفس ولقد كان قرّة عين، مقدّماً في العلم والخير والثقة»(16).
وقال الحافظ: «ثقة»(17).
وأمّا «ابن وهب» فهو: عبداللّه بن وهب، من رجال الصحاح الستّة، وثّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: «صدوق، صالح الحديث»، وأطنب الذهبي في ترجمته من السير(18).
وأمّا «عبدالرحمن بن زيد بن أسلم» فهو ـ وإن ضعّفه بعضهم ـ من رجال كتابي الترمذي وابن ماجة، وهما من الصحاح الستّة.
وأمّا «زيد بن أسلم» فهو من رجال الصحاح الستّة، وقال الذهبي: «لزيد تفسير، رواه عنه ابنه عبدالرحمن، وكان من العلماء العاملين. أرّخ ابنه وفاته في ذي الحجّة سنة 136»(19).

تنبيه
إنّه يكفي دليلاً على صحّة هذه الأحاديث وتماميّة استدلال السيّد بها سكوت بعض المفترين على ذلك، وعليه فلا مناصّ له من الإقرار بالضلال، والعودة إلى طريق النبيّ والآل، واللّه الهادي في المبدأ والمآل.

* * *

(1) سورة الفاتحة 1 : 6 و 7.
(2) المراجعات: 28.
(3) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1 : 57 / 86 و 87.
(4) مناقب آل أبي طالب 3 : 89؛ وفيه: «عن بريدة» والظاهر أنّه الصحيح.
(5) وهو في شواهد التنزيل 1 : 59 ـ 61.
(6) شواهد التنزيل 1 : 58 / 88.
(7) سير أعلام النبلاء 13 : 264 و 265.
(8) منهاج السُنّة 7 : 13 و ص 179.
(9) شواهد التنزيل 1 : 61 ـ 65.
(10) شواهد التنزيل 1 : 66 / 105.
(11) الأنساب 1 : 291 «البحيري».
(12) المنتخب من السياق في تاريخ نيسابور: 232 رقم 729.
(13) الأنساب 2 : 298 «الحيري».
(14) سير أعلام النبلاء 16 : 356 ـ 358، وأرّخ وفاته نقلاً عن الحاكم بسنة 376.
(15) الأنساب 5 : 227 «المخلّدي».
(16) سير أعلام النبلاء 12 : 348.
(17) تقريب التهذيب 2 : 385.
(18) سير أعلام النبلاء 9 : 223 ـ 234.
(19) سير أعلام النبلاء 5 : 316.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *