معارضة استدلالات الإمامية بأقاويل النواصب

3 ـ معارضة استدلالات الإمامية بأقاويل النواصب
وموارد ذلك كثيرة:
من ذلك: دعوى المعارضة بين ما روي في مدح الإمام الحسين الشهيد، وذم قاتله، وبين قول النواصب: كان الحسين خارجيّاً، وهذا نصّ كلامه:
«وأمّا الحديث الذي رواه وقوله: إنّ قاتل الحسين في تابوت من نار… فهذا من أحاديث الكذّابين… فهذا الغلوّ الزائد يقابل بغلوّ الناصبة، الذين يزعمون أن الحسين كان خارجياً، وأنه كان يجوز قتله، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرّق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان. رواه مسلم.
وأهل السنّة والجماعة يردّون غلوّ هؤلاء وهؤلاء…»(1).
أقول:
فهو يرى صحة هذه المعارضة، ويرى القول بكون قاتل الحسين في النار غلوّاً، بل يقدّم قول الناصبة، وكأنّه يستحيي من التصريح بمعتقده، وفي كلامه إيعاز بذلك، لأنّه حكم بكذب ذاك الحديث، وذكر في هذا الحديث: «رواه مسلم» فهو في الحقيقة يقدّم قول الناصبة… وإن كان قد نسب إلى أهل السنّة والجماعة أنّهم يردّون غلوّ هؤلاء وهؤلاء!!
ومن ذلك: في فضائل أميرالمؤمنين، فإنّه لمّا يعجز عن المناقشة في السَّنَد أو في الدلالة، ونحو ذلك من الطرق العلمية المتّبعة في مختلف العلوم، يعارض بأقاويل النواصب والخوارج، وهو بدلا من أن يعارض بما وضعوه ـ مثلا ـ لأئمّتهم من الروايات، يأتي بأباطيلهم في أصل إيمان أميرالمؤمنين وأهل البيت وعدالتهم ونحو ذلك… وهذا هو الذي قصده بقوله المنقول سابقاً: « وما هو أغلظ منه»!!
كقوله ـ في جواب قول العلاّمة في أميرالمؤمنين عليه السلام: «حتى ادّعى قوم فيه الربوبية فقتلهم» ـ: «فإن جاز أن يقال: إنّما ادّعيت فيه الإلهية لقوّة الشّبهة، جاز أن يقال: إنما ادعي فيه الكفر لقوة الشّبهة، وجاز أن يقال: صدرت منه ذنوب اقتضت أن يكفّره بها الخوارج»(2).
وكقوله: «إنّ النواصب ـ من الخوارج وغيرهم ـ الذين يكفّرون علياً أو يفسّقونه أو يشكّون في عدالته، من المعتزلة والمروانية وغيرهم، لو قالوا لكم: ما الدليل على إيمان علي وإمامته وعدله؟ لم يكن لكم حجة…» إلى أن قال:
«وأمّا إمامة علي، فهؤلاء ينازعونكم في إمامته هم وغيرهم، فإن احتججتم عليهم بالنص الذي تدّعونه، كان احتجاجهم بالنصوص التي يدّعونها لأبي بكر ـ بل العبّاس ـ معارضاً لذلك، ولا ريب عند كلّ من يعرف الحديث أن تلك أولى بالقبول والتّصديق…»(3).
وكقوله ـ دفاعاً عن معاوية ـ:
«والمدّعي لارتداد معاوية وعثمان وأبي بكر وعمر رضى الله عنهم، ليس هو أظهر حجةً من المدّعي لارتداد علي، فإن كان المدّعي لارتداد علي كاذباً، فالمدّعي لارتداد هؤلاء أظهر كذباً، لأن الحجة على بقاء إيمان هؤلاء أظهر، وشبهة الخوارج أظهر من شبهة الروافض»(4).
وكقوله ـ في الجواب عن استدلال العلاّمة بحديث أبي نعيم عن ابن عبّاس، في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ـ: «هذا معارض بمن يقول: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم النواصب، كالخوارج وغيرهم، ويقولون: إنّ من تولاّه فهو كافر مرتد، فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويحتجّون على ذلك بقوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قالوا: ومن حكّم الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما أنزل الله، فيكون كافراً، ومن تولّى الكافر فهو كافر لقوله: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)…» إلى أن قال: «فهذا وأمثاله من حجج الخوارج، وهو وإن كان باطلا بلا ريب، فحجج الرافضة أبطل منه، والخوارج أعقل وأصدق وأتبع للحق من الرافضة…»(5).
وكقوله ـ في جواب استدلال العلاّمة بالآية المتمّمة للأربعين، النازلة في فضل أميرالمؤمنين، أخذاً بروايات أهل السنة في تفاسيرها ـ بأنّ الخوارج فسّروا قوله تعالى: (فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) فقالوا: «إنّهم علي والحسن والحسين». قال: «وكلّ هذا باطل، لكن الغرض أنهم يقابلون بمثل حجّتهم، والدليل على فسادها يعمّ النوعين، فعلم بطلان الجميع»(6).

(1) منهاج السنة 4/585.
(2) منهاج السنة 4/37.
(3) منهاج السنة 4/386ـ387.
(4) منهاج السنة 4/513.
(5) منهاج السنة 7/259ـ260.
(6) منهاج السنة 7/297.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *