1_ الخلط بين المذاهب

وهنا نريد أن نتعرَّف على أساليب ابن تيميّة ومناهجه في كتاب (منهاج السنّة)، وعن هذا الطريق أيضاً نتمكّن من معرفة ابن تيمية على حقيقته وواقعه، عقيدةً وعلماً وعدالةً…
تنبيه مهم
ولابدّ قبل الورود في دراسة كتابه من هذه الناحية، من التنبيه على أمر مهمّ جدّاً، وهو: إن كتاب (منهاج الكرامة) لم يعتمد في بحوثه إلاّ على كتب أهل السنّة من أهل المذاهب الأربعة، كما أنّه في مجال عقائد الشّيعة لم يذكر إلاّ عقائد الشيعة الإثني عشرية، ولم يدافع إلاّ عن هذه العقائد، فهو في مقام الردّ على أهل السنّة لا يستند إلى أقوال الغلاة أو الفرق الاُخرى من الشيعة، ولا ينسب إليهم أقوال النواصب والخوارج ليطعن بها على عموم المخالفين للإماميّة الاثني عشرية.
وعلى الجملة، فإنّ منهج العلاّمة ـ يرحمه الله ـ هو المقارنة بين مذهب (الشيعة الاثني عشرية) و (المذاهب الأربعة) المعروفة التي عليها أهل السنّة، لا عموم القائلين بإمامة الثلاثة، ليشمل النواصب والخوارج وغيرهم.
ولما كان هذا هو منهج كتاب (منهاج الكرامة) المردود عليه، كان مقتضى قواعد البحث وآداب المناظرة أنّ يردّ عليه طبق هذا المنهج.
إلاّ أنّ ابن تيميّة خرج في بحثه عن هذا الإطار، فكثيراً ما خلط بين (الامامية الاثني عشرية) وغيرها من فرق الشيعة، ما كان له واقعية وما لم يكن… وأيضاً: كثيراً ما خلط بين (الأشاعرة) و (المعتزلة) من جهة، وبين أرباب (المذاهب الأربعة) وبين (النواصب) و (الخوارج) من جهة اُخرى.
وأكثر ما تجد هذا الخلط في مقام (المعارضة) من أساليبه. مع أنّ المسلمين (الشيعة) و (السنّة) متّفقون على ضلال (النواصب) و (الخوارج) من القائلين بإمامة الثلاثة و (الغلاة) وأمثالهم من القائلين ببطلان إمامة الثلاثة، وأنّه لا اعتبار لمقالاتهم وضلالاتهم…
وبهذا الموجز يتّضح سقوط كثير من استدلالات ابن تيمية ومعارضاته، وإليك بعض التفصيل:

الخلط بين المذاهب

يقول العلاّمة:
«وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس، والأخذ بالرأي، فأدخلوا في دين الله ما ليس منه»(1).
وهو لا يقصد من «الجميع منهم» إلاّ: (المذاهب الأربعة).
كما أنّ عدم أخذ (الشيعة الاثني عشرية) بالقياس معروف.
فانظر إلى ردّ ابن تيمية:
«إن دعواه على جميع أهل السنّة المثبتين لإمامة الخلفاء الثلاثة أنّهم يقولون بالقياس، دعوى باطلة، فقد عرف فيهم طوائف لا يقولون بالقياس، كالمعتزلة البغداديين، وكالظاهرية كداود وابن حزم وغيرهما، وطائفة من أهل الحديث والصوفيّة.
وأيضاً، ففي الشيعة من يقول بالقياس كالزيدية.
فصار النزاع فيه بين الشّيعة، كما هو بين أهل السنّة والجماعة»(2).
* وعندما يريد الحطّ على الشيعة يسوّد صحائف كثيرة من كتابه، ملؤها القذف والإفتراء، والسبّ والشتم.. ثم يقول في التالي في سطرين بأنّ الأشياء التي نسبها إلى الشيعة، وطعن عليهم بسببها «ليست في الاثني عشريّة» منهم…
لاحظ هذا المورد:
«فصل: وهذا المصنّف سمّى كتابه (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) وهو خليق بأن يسمّى (منهاج الندامة). كما أنّ من ادّعى الطّهارة ـ وهو من الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم، بل هو من أهل الجبت والطاغوت والنفاق ـ كان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير»(3) فجعل يشتم العلامة ويسبّه إلى أن قال:
«ومن أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة…» فجعل يقول ما الله حسيبه، من الصفحة (22) إلى الصفحة (57) من الجزء الأول(4) حتى قال(5):
«ومما ينبغي أن يعرف: أنّ ما يوجد في جنس الشيعة من الأقوال والأفعال المذمومة، وإن كان أضعاف ما ذكر، لكن قد لا يكون هذا كلّه في الإمامية الاثني عشرية…».
وهكذا ينتهي هذا الفصل الذي بدأه بسبّ العلاّمة، ثمّ نسب إليه ما هو وطائفته الاثنا عشرية برآء منه، ثم ختم الكلام بكلمتين!!
* وقال:
«فصل: ونحن نبيّن ـ إن شاء الله تعالى ـ طريق الإستقامة في معرفة هذا الكتاب (منهاج الندامة) بحول الله وقوّته.
وهذا الرجل سلك مسلك سلفه شيوخ الرافضة، كابن النعمان المفيد، ومتّبعيه كالكراجكي وأبي القاسم الموسوي والطوسي، وأمثالهم…» فجعل يسبُّ… إلى أن قال:
«وقال أبو معاوية: سمعت الأعمش يقول: أدركت الناس وما يسمّونهم إلاّ الكذّابين. يعني: أصحاب المغيرة بن سعيد»(6).
فأيّ علاقة بين «العلاّمة» و «سلفه» الذين ذكرهم، وبين «أصحاب المغيرة بن سعيد» اللعين؟
ثم قال بعد كلام له:
«ولهذا ذكر الشافعي ما ذكره أبو حنيفة وأصحابه أنه يردّ شهادة من عرف بالكذب كالخطابيّة»(7).
وأيّ ارتباط بين «العلاّمة» و «سلفه» الذين بدأ بهم الفصل، وبين «الخطابيّة»؟!
* ويقول العلاّمة:
«إنّ الإمامية أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين، المشهورين بالفضل والعلم والزهد والورع.. فأوّلهم علي بن أبي طالب…»(8) وهكذا يعدّدهم العلاّمة إلى الثاني عشر، عليهم الصلاة والسّلام.
فهو يريد الإمامية الاثني عشرية.
فيقول ابن تيمية في الجواب:
«قد علم أنّ الشيعة مختلفون اختلافاً كثيراً في مسائل الإمامة والصفات والقدر، وغير ذلك من مسائل اصول دينهم، فأيّ قول لهم هو المأخوذ عن الأئمة المعصومين، حتى مسائل الإمامة قد عرف اضطرابهم فيها.
وقد تقدّم بعض اختلافهم في النص، وفي المنتظر…» فجعل يذكر أقوالا من بعض الفرق غير الاثني عشرية، فقال بالتالي: «فبطل قولهم: إن أقوالهم مأخوذة عن معصوم»(9).
أقول:
هكذا يُبطَل قول العلاّمة؟!

(1) منهاج السنة 3/400.
(2) منهاج السنة 3/401.
(3) إشارة إلى اسم العلامة، فإنه (الحسن بن يوسف بن المطهّر) وقد كان ابن تيمية يسمّيه بـ (ابن المنجس) كما نصّ عليه الصفدي وابن تغرى بردى وغيرهما.
(4) هكذا يتضخّم الكتاب!!
(5) وهو محلّ الشاهد، وقد ذكرنا طرفاً من سبابه وشتائمه في تلك الصفحات، في الفصل المخصّص لذلك.
(6) منهاج السنة 1/57ـ61.
(7) منهاج السنة 1/62.
(8) منهاج السنة 4/5ـ6.
(9) منهاج السنة 4/17 ـ 18.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *