3 ـ عبد الله بن سبأ شيخ الرّافضة

3 ـ عبد الله بن سبأ شيخ الرّافضة
إنه يقول:
«فإنّ أصل الرفض إنما أحدثه زنديق غرضه إبطال دين الإسلام والقدح في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قد ذكر ذلك العلماء. وكان عبد الله بن سبأ شيخ الرافضة لمّا أظهر الإسلام أراد أن يفسد الإسلام بمكره وخبثه، كما فعل بولص بدين النصارى، فأظهر النسك ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتله، ثم لمّا قدم على الكوفة أظهر الغلوّ في علي والنصّ عليه، ليتمكّن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك علياً، فطلب قتله، فهرب منه إلى قرقيسيا، وخبره معروف، وقد ذكره غير واحد من العلماء…
ولهذا كانت الزنادقة الذين قصدهم إفساد الإسلام، يأمرون بإظهار التشيّع والدخول إلى مقاصدهم من باب الشيعة، كما ذكر ذلك إمامهم صاحب (البلاغ الأكبر) و (الناموس الأعظم)».
ثم نقل كلاماً طويلا للباقلاني في الطعن على الباطنيّة، ثم قال:
«قلت: وهذا بيّن، فإنّ الملاحدة من الباطنية الإسماعيلية وغيرهم، والغلاة النصيرية وغير النصيرية، إنما يظهرون التشيّع وهم في الباطن أكفر من اليهود والنصارى، فدلّ ذلك على أن التشيع دهليز الكفر والنفاق»(1).
أقول:
ففي هذا الكلام بيّن «المبتدع» وعيّنه، وهو «ابن سبأ»، إلاّ أنّه ربّما يقال بأنّ المقصود من «الرافضة» هم «الإسماعيلية» و «النصيرية» وأمثالهما من الغلاة، لا «الإماميّة الإثنا عشريّة»… لا سيّما وأنّه صرّح باسم هاتين الفرقتين في آخر كلامه، بل نصّ عليه في كلام آخر له حيث قال: «من أظهر الناس ردّةً: الغالية الذين حرّقهم علي رضي الله عنه بالنار لمّا ادّعوا فيه الإلاهية، وهم السبائية أتباع عبد الله بن سبأ»(2).
ولكنّ الواقع ليس كذلك، وإليك عبارته التالية:
«والعلماء دائماً يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقاً ملحداً، مقصوده إفساد دين الإسلام، ولهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطّلة، كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم، وأول الفكرة آخر العمل، فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد دين الإسلام ونقض عراه وقلعه بعروشه آخراً، لكن صار يظهر منه ما يكنّه من ذلك، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه، وهو الذي ابتدع النص في علي، وابتدع أنه معصوم، فالرافضة الإماميّة هم أتباع المرتدّين، وغلمان الملحدين، وورثة المنافقين»(3).
وقال ـ وهو يدافع عثمان ـ:
«ونشأ في خلافته من دخل في الإسلام كرهاً فكان منافقاً، مثل ابن سبأ وأمثاله، وهم الذين سعوا في الفتنة بقتله، وفي المؤمنين من يسمع المنافقين…»(4).
ثمّ إنّه نسب قتل عثمان ـ في غير موضع ـ إلى الشيعة بصراحة، قال:
«أمّا الفتنة، فإنّما ظهرت في الإسلام من الشيعة، فإنهم أساس كلّ فتنة وشر، وهم قطب رحى الفتن، فإنّ أوّل فتنة كانت في الإسلام قتل عثمان»(5).

تناقضات ابن تيميّة
فههنا مطالب يتبيّن فيها تناقضات ابن تيميّة وأباطيله:
الأول: قد ذكر سابقاً عن الشعبي أن علياً عليه السلام نفى عبد الله بن سبأ إلى ساباط، وهو يقول في كلامه «فهرب منه إلى قرقيسيا»، وبين الخبرين تكاذب.
الثاني: قد ذكر في كلامه أنّ دعوة عبد الله بن سبأ إنّما ظهرت في الكوفة أيّام أميرالمؤمنين عليه السّلام، ثم اتّهم الشيعة ـ وعلى رأسهم ابن سبأ ـ بالسّعي في قتل عثمان، وهذا معناه ظهوره قبل أيام علي عليه السلام بمدّة طويلة. وهذا تناقض آخر.
الثالث: إذا كان الشيعة هم الذين سعوا في قتل عثمان، فقد كان لهم من العدد والعدّة ما مكّنهم من قتله، ومن المعلوم أنّ حصول هذا العدد والعدّة يحتاج إلى مدّة مديدة من الزمن، وهذا يعني وجود العدد الهائل من الشيعة في عصر النبوّة وأصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
لكنّه في موضع آخر ينكر أن يكون في الصّحابة شيعي، فإنه قال:
«الأحاديث التي في فضائل علي إنّما رواها الصحابة الذين قدحت فيهم، فإن كان القدح صحيحاً بطل النقل، وإن كان النقل صحيحاً بطل القدح.
وإن قال: بنقل الشيعة أو تواترهم.
قيل له: الصّحابة لم يكن فيهم من الرافضة أحد، والرافضة تطعن في جميع الصحابة إلاّ نفراً قليلا: بضعة عشر، ومثل هذا قد يقال: إنهم قد تواطأوا على ما نقلوه…»(6).
فهذا تناقض.
وأيضاً، فقد ذكر أن بدء التشيّع والتسمية بـ «الشيعة» كان في زمن علي عليه السلام، وهذه عبارته: «إنّما سمّوا شيعة علي لمّا افترق الناس فرقتين: فرقة شايعت أولياء عثمان، وفرقة شايعت علياً»(7).
وهذا تناقض آخر.
الرابع: لقد زعم هنا أن السّاعين في قتل عثمان: هم «الشيعة» أتباع ابن سبأ، الملحد، المنافق، الزنديق… ثم صرّح في موضع آخر بما هذا نصّه:
«وأمّا السّاعون في قتله فكلّهم مخطئون، بل ظالمون باغون معتدون، وإن قدّر أن فيهم من قد يغفر الله له، فهذا لا يمنع كون عثمان قتل مظلوماً»(8).
وهذا معناه أن يكون السّاعون في قتله ـ كلّهم ـ أناساً مؤمنين في نظره، فليسوا إلاّ أعلام الصحابة والتابعين.
وهذا تناقض آخر منه.
بل في كلام آخر له تصريح بأنّ «أهل الشوكة» ـ ومراده منهم كبار الصّحابة كطلحة والزبير وسعد وأمثالهم ـ كان لهم ضلع في القضيّة، وهذه عبارته: «والمباشر منهم للقتل ـ وإن كان قليلا ـ فكان درؤهم أهل الشوكة، ولو لا ذلك لم يتمكّنوا»(9).
لا يقال: لعلّه يقصد عليّاً عليه السّلام.
لأنه قال قبل هذا الكلام: «هذا كلّه كذب على علي رضي الله عنه وافتراء عليه، فعلي رضي الله عنه لم يشارك في دم عثمان ولا أمر ولا رضي»(10).
وبعد:
فإن الشيعة ـ قديماً وحديثاً ـ يتبرّ أوان عن عبدالله بن سبأ، وبعض المحقّقين من الشيعة وأهل السنّة على أن لا وجود لهذا الرجل في التاريخ، وعلى كلّ حال فإنّ التشيّع لعليّ عليه السلام كان مبدؤه في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان سمةً لعدّة من مشاهير أصحابه، وسندلّل على ذلك في موضعه، مع التعرّض لمكابرة ابن تيميّة.
ثم إن ابن سبأ أقل وأحقر من أن يتّبعه أحدٌ من الشّيعة في عقائدهم، أو واحد من الصّحابة والتابعين في قضاياهم، كقيامهم ضدّ عثمان بن عفان وقتله، وفي العبارات التي نقلناها عن ابن تيمية شواهد على ذلك.

(1) منهاج السنة 8/478ـ486.
(2) منهاج السنة 3/458ـ459.
(3) منهاج السنّة 7/219ـ220.
(4) منهاج السنة 8/315ـ316.
(5) منهاج السنة 6/364.
(6) منهاج السنة 7/106.
(7) منهاج السنة 2/91.
(8) منهاج السنة 6/297.
(9) منهاج السنة 4/407.
(10) منهاج السنة 4/406.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *