1 ـ ما نقله عن الشعبي

1 ـ ما نقله عن الشعبي
قال: «وهذا المصنّف سمّى كتابه (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) وهو خليق بأن يسمّى (منهاج الندامة)، كما أنّ من ادّعى الطهارة ـ وهو من الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم، بل من أهل الجبت والطاغوت والنفاق ـ كان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير(1)…
ومن أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة، وقد ثبت عن الشعبي أنه قال: ما رأيت أحمق من الخشبيّة، لو كانوا من الطير لكانوا رخماً ولو كانوا من البهائم لكانوا حمراً. والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهباً على أن أكذب على علي لأعطوني، ووالله ما أكذب عليه أبداً.
وقد روى هذا الكلام مبسوطاً عنه أكثر من هذا، لكنّ الأظهر أنّ المبسوط من كلام غيره، كما روى أبو حفص ابن شاهين في كتاب (اللطيف في السنّة):
حدّثنا محمّد بن أبي القاسم بن هارون، حدّثنا أحمد بن الوليد الواسطي، حدّثني جعفر بن نصير الطوسي الواسطي، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه، قال: قال لي الشعبي:
أحذّركم هذه الأهواء المضلّة، وشرّها الرّافضة، لم يدخلوا في الإسلام رغبةً ولا رهبة، ولكن مقتاً لأهل الإسلام وبغياً عليهم، قد حرّقهم علي ـ رضي الله عنه ـ بالنار ونفاهم إلى البلدان، منهم عبد الله بن سبأ، يهودي من يهود صنعاء، نفاه إلى ساباط، وعبد الله بن يسار نفاه إلى خازر.
وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود. قالت اليهود: لا يصلح الملك إلاّ في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلاّ في ولد علي، وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من السماء، وقال الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء… واليهود لا يرون المسح على الخفّين وكذلك الرافضة. واليهود يستحلّون أموال الناس كلّهم وكذلك الرافضة… واليهود تبغض جبريل ويقولون: هو عدوّنا من الملائكة، وكذلك الرافضة يقولون: غلط جبريل بالوحي على محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وكذلك الرافضة وافقوا النصارى في خصلة النصارى: ليس لنسائهم صداق، إنما يتمتّعون بهنّ تمتّعاً، وكذلك الرافضة يتزوّجون بالمتعة، ويستحلّون المتعة.
وفضّلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين: سئلت اليهود من خير أهل ملّتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: من خير أهل ملّتكم؟ قالوا: حواريّ عيسى، وسئلت الرافضة: من شرّ أهل ملّتكم؟ قالوا: أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم، اُمروا بالإستغفار لهم فسبّوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، ولا ـ تجاب لهم دعوة، دعوتهم مدحوضة، وكلمتهم مختلقة، وجمعهم متفرق، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله(2)».
قال ابن تيمية بعد نقله بطوله:
«قلت: هذا الكلام بعضه ثابت عن الشعبي، كقوله: «لو كانت الشيعة من البهائم لكانوا حمراً، ولو كانت من الطير لكانوا رَخَماً» فإنّ هذا ثابت عنه، قال ابن شاهين: حدّثنا محمّد بن العبّاس النحوي، حدّثنا إبراهيم الحربي، حدّثنا أبو الربيع الزهراني، حدّثنا وكيع بن الجراح، حدّثنا مالك بن مغول. فذكره.
وأمّا السّياق المذكور فهو معروف عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه، عن الشعبي».
ثم إنه روى الكلام المذكور ـ مع بعض الإختلاف ـ مرةً اُخرى بسند آخر، قال:
«وروى أبو عاصم خشيش بن أصرم في كتابه، ورواه من طريقه أبو عمرو الطلمنكي في كتابه في الاُصول. قال أبو عاصم: حدّثنا أحمد بن محمّد وعبد ـ الوارث بن إبراهيم، حدّثنا السندي بن سليمان الفارسي، حدّثني عبدالله بن جعفر الرقي، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه، قال: قلت لعامر الشعبي: ما ردّك عن هؤلاء القوم وقد كنت فيهم رأساً؟ قال…».
قال ابن تيميّة:
«وقد روى أبو القاسم الطبري في (شرح اُصول السنّة) نحو هذا الكلام، من حديث وهب بن بقية الواسطي، عن محمّد بن حجر الباهلي، عن عبد الرحمن ابن مالك بن مغول.
فهذا الأثر قد روي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، من وجوه متعددة يصدّق بعضها بعضاً، وبعضها يزيد على بعض».
ثمّ قال ابن تيميّة:
«لكنّ عبد الرحمن بن مالك بن مغول ضعيف».
فقال:
«وذمّ الشعبي لهم ثابت من طرق اُخرى» لكنّه استدرك قائلا:
«لكنّ لفظ الرافضة إنما ظهر لمّا رفضوا زيد بن علي بن الحسين، في خلافة هشام، وقصّة زيد بن علي بن الحسين كانت بعد العشرين ومائة، سنة إحدى
وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة… والشعبي توفّي في أوائل خلافة هشام، أو آخر خلافة يزيد بن عبد الملك أخيه، سنة خمس ومائة أو قريباً من ذلك، فلم ـ يكن لفظ الرافضة معروفاً إذ ذاك، وبهذا وغيره يعرف كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة.. فيكون المعبّر عنهم بلفظ الرافضة ذكره بالمعنى، مع ضعف عبد الرحمن، ومع أن الظاهر أن هذا الكلام إنما هو نظم عبد الرحمن بن مالك بن مغول وتأليفه، وقد سمع طرفاً منه عن الشعبي.
وسواء كان هو ألّفه أو نظمه، لما رآه من امور الشيعة في زمانه، ولما سمعه عنهم، أو لما سمع من أقوال أهل العلم فيهم، أو بعضه، أو مجموع الأمرين، أو بعضه لهذا وبعضه لهذا، فهذا الكلام معروف بالدليل، لا يحتاج إلى نقل وإسناد.
وقول القائل إن الرافضة تفعل كذا وكذا، المراد به بعض الرافضة».
أقول:
لقد استغرق هذا الكلام وما قاله ابن تيمية حوله 14 صفحة من صفحات الجزء الأول من كتابه، من الصفحة 21 إلى الصفحة 36.
ثم عقّب ذلك بفصل أورد فيه أموراً سماّها بـ «الحماقات»(3).
فهذا ما افتتح كتابه به.
والغرض من ذلك كلّه سبّ الشّيعة وشتمهم، على لسان أهل الكوفة، لكونهم أعرف الناس بهم!!
نعم… الغرض من ذلك هو السبّ والشتم، مع علمه واعترافه بسقوط الحكاية سنداً، لتصريحه بضعف «عبد الرحمن بن مالك بن مغول»، ومتناً، لأنّ لفظ «الرافضة» إنّما ظهر بعد موت الشّعبي…
فلماذا سوّد صحائفه بذكره؟
ومن هنا يقول في آخر كلامه على السند:
«فهذا الكلام معروفٌ بالدليل لا يحتاج إلى نقل وإسناد»!!
ثم يصرّح بحصول «المقصود» ـ وهو «السبّ والشتم» ـ بنقل هذا الكلام، سواء كان ثابتاً عن الشعبي أو غير ثابت!!، إنّه يقول في الصفحة 56:
«إن المقصود أنه من ذلك الزمان القديم يصفهم الناس بمثل هذا، من عهد التابعين وتابعيهم، كما ثبت بعض ذلك، إمّا عن الشعبي، وإمّا أن يكون من كلام عبد الرحمن، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل، فإن عبد الرحمن كان في زمن تابعي التّابعين، وإنما ذكرنا هذا لأن عبد الرحمن وكثير من الناس لا يحتج بروايته المفردة، إمّا لسوء حفظه وإمّا لتهمته في تحسين الحديث».
نعم، كان هذا هو المقصود!
ويشهد بذلك أيضاً قوله في الصفحة 44.
«وينبغي أيضاً أن يعلم أنّه ليس كلّ ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا…» وقوله في الصفحة 57:
«لكن قد لا يكون هذا كلّه في الإمامية الاثني عشرية، ولا في الزيدية.
ولكن يكون كثير منه في الغالية».
فلماذا كلّ هذا التطويل؟
«فلنترك الحكم للقارىء المنصف الذي يريد الله والدّار الآخرة».

وهنا نقاط:
الأولى: إنه إذا كان ما روي عن الشعبي يتعلّق بـ «الغالية» وكان لفظ
«الرافضة» قد ظهر بعد الشعبي، كان المقصود من الفرقة التي منها «عبد الله بن سبأ» و «عبد الله بن يسار» غير «الإماميّة الإثني عشرية»، فلا علاقة لهذين الرجلين ـ بناءً على وجودهما تاريخيّاً ـ بهذه الطائفة…
وعلى هذا يبطل تشنيعه عليها بـ «عبدالله بن سبأ» في غير موضع من كتابه(4).
هذا بناءً على ثبوت الكلام عن الشّعبي.
الثانية: لكنّ هذا الكلام مكذوب موضوع على الشّعبي، لسقوط أسانيد الخبر كلّها: فالوكيع بن الجراح، في الطريق الأول، تُكلّم فيه، لوقوعه في السّلف وشربه المسكر، ولقد أدرجه الذهبي في (ميزانه) لما ذكر وغيره.
و «السندي بن سليمان» في الطريق الثاني، مجهول، وكذا غيره فيه.
و «محمّد بن حجر الباهلي» في الطريق الثالث، مجهول لا يعرف كذلك.
ومداره على «عبد الرحمن بن مالك بن مغول»:
الثالثة: ولم يشر إلى كلمات أئمتهم في الجرح والتعديل في «عبد الرحمن» جهلا أو عمداً، وقد قال فيه أبو داود: «كذّاب يضع الحديث»، وقال أحمد والدارقطني: متروك، وقال النّسائي وغيره: ليس بثقة، أورده الذهبي في (ميزانه) فنقل هذه الكلمات، ولا كلمة مدح أصلا(5).
الرابعة: إنّه على فرض ثبوت الكلام عن الشّعبي، فإنّ هذا الرجل لا يجوز قبول قوله في الحطّ على الشيعة، لأنّه كان اُمويّ الهوى، منحرفاً عن أهل البيت عليهم السلام، والشواهد على ذلك عديدة.

(1) سيأتي أنه كان يسمى «ابن المطهر» بـ «ابن المنجّس».
(2) هذا أحد المواضع التي ذكر فيها المشابهة بين الشيعة وبين اليهود والنصارى، وهناك مواضع عديدة، سنذكر بعضها تحت عنوان يخصّ ذلك.
(3) سنتعرض لها ولأمثالها في فصل خاص.
(4) سنتعرّض لذلك في فصل خاص.
(5) ميزان الاعتدال ـ حرف العين، الترجمة 4949، عبد الرحمن بن مالك بن مغول 2/584.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *