مقدّمة

مقدّمة
كنت أقرأ في كتاب (كتب حذّر منها العلماء)(1) فَلفَتَ نظري نقده لكتاب (هموم داعية، لمحمّد الغزالي)، وما ذكره من نظرات له حوله…
لقد جاء في النظرة الاُولى:
«إن المؤلّف وصف نفسه على غلاف كتابه بوصف «داعية»، وهذا الوصف لا يتحقّق لصاحبه إلاّ بعد أن يستكمل عدّة صفات، من أبرزها ما ورد في قوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). فهل هذه الصّفات تنطبق على من أطلق للسانه العنان ليصف طائفةً من المسلمين ـ وهم ما يطلق عليهم (السلفيّون) ـ بصفات لا تليق بهم لمن عرفهم وأدرك حالهم؟
فهل الذي حصل للمؤلّف من مواقف مع أفراد قلّة من هذه الطائفة، يجوّز له ذلك أن يصفهم بهذه الصفات التي لا يرضى منها واحدةً لنفسه، فكيف يرضاها لغيره؟ وهاك بعضها:
1 ـ (… جهلة المحدّثين…) ص 44.
2 ـ (… فكانوا للأسف بلاءً على السنّة وفتّانين على الإسلام كلّه…) ص 102.
3 ـ (… الواقع أن الأمراض النفسيّة عند هؤلاء المتعصّبين…) ص 12.
4 ـ (… أصحاب الفكر المختل…) ص 21.
5 ـ (… عقول بها مسّ…) ص 144.
6 ـ (… فكم ظلمت السنّة ممّن يتشدّقون بها…) ص 27.
7 ـ (… خفاف الفقه…) ص 106.
8 ـ (… الجهّال القاصرين…) ص 141.
9 ـ (… إن الإسلام لا يؤخذ من أصحاب العقد النفسيّة، سواء كانت غيرتهم من ضعف جنسي أو شبق جنسي…) ص 143.
10 ـ (… متكلّمين باسم الإسلام…) ص 144.
11 ـ (… أعداد غفيرة من المتحدّثين في الدعوة يشبهون هذا المدرس الجهول…) ص 150.
12 ـ (… إنّ فهم هؤلاء الناس للدين غريب، وإثارة هذه القضايا دون غيرها من أساسيّات الإسلام مرض عقلي، إنه ضرب من الخبال…) ص 152.
13 ـ (… وإنّنا نحمي السنّة من أفهام الأرذال…) ص 152.
14 ـ (… ودين الله أشرف من أن يتحدّث فيه هؤلاء الحمقى…) ص 161 ثم قال مؤلّف الكتاب المذكور:
«قلت: هذه بعض الصّفات التي وصف بها المؤلّف الجماعة السلفيّة، وأترك الحكم للقارىء المنصف الذي يريد وجه الله والدار الآخرة…»(2).
ثم إنه ذكر في النظرة الرابعة ما نصّه:
«لمز الأُستاذ بعض علماء الإسلام الأفاضل الذين بذلوا حياتهم خدمة للإسلام والمسلمين، أمثال الحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني، والشيخ محمّد بن عبد الوهاب، رحمهما الله تعالى، وهاك ما قاله الاستاذ بعد أن أورد قوله تعالى: (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ) قال: «فهل وعى ذلك من قبل حديث الغرانيق وقال: إن تظاهر الروايات يجعل له أصلا مّا، والقائل محدّث كبير؟
وهذا المحدّث الكبير الذي لمزه الاُستاذ بعدم الوعي لم يسمّه لنا هنا، ولكن سماّه لنا في كتاب آخر بأنه «ابن حجر». سبحان الله! حافظ علاّمة عالم ربّاني، رحمه الله تعالى، تعتبر كتبه من أعظم الكنوز في المعارف الإسلاميّة، يلمزه الاُستاذ ـ هداه الله ـ بقوله: «فهل وعى»؟ هذه الكلمة قد تقال في بعض المتعلّمين، أما جبال العلم أمثال ابن حجر رحمه الله فلا أتصوّر أن الاُستاذ يوافقني على لمزهم بهذا.
ويستطرد الاُستاذ قائلا: «وقد قبل فرية الغرانيق مدّع للسلفيّة كبير، ووضعها في سيرة ألّفها.
نعم، لقد أشار الشيخ محمّد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ إلى قصّة الغرانيق في مختصر السيرة الذي ألّفه، ولكن هل يعني هذا الخطأ الذي لا يتجاوز ثلاثة أسطر أن يوصف صاحبه بأنه «مدّع للسلفيّة»…»(3).
أقول:
لقد انزعج هذا الرّجل عندما رأى أن أتباع ابن تيميّة وابن عبد الوهاب يوصفون بـ «الجهّال القاصرين» و «الأراذل» و «الحمقى» و «أصحاب العقد النفسيّة» و «الفكر المختل» و «خفاف الفقه» وأمثال ذلك… مِن قِبَل أحد كبار العلماء والكتّاب من أهل السنّة!!
وهم ـ في نفس الوقت ـ يصفون إحدى الطائفتين الكبيرتين من المسلمين، أعني «الشيعة الإماميّة الإثني عشرية» بصفات تعتبر هذه الصفات ـ التي وصف بها الغزالي الجماعة المتّسمين بالسلفيّة ـ بالنسبة إليها لا شيء…!!
وانزعج الرجل من وصف الحافظ ابن حجر بـ «عدم الوعي» في قضيّة واحدة معيّنة، وذلك لقبوله خبراً موضوعاً أخرجه بعض أئمة أهل السنّة، يتضمّن نسبة «عدم الوعي» إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وذلك قدح وطعن في النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ورسالته الكريمة!!
لكنّهم ـ في نفس الوقت ـ يطيلون ألسنتهم وتخرج من أفواههم الكلمات الكبيرة بحقّ الكثيرين من رجالات الإسلام…
إنّ من لا يرضى أن يُقال فيه أقل شيء أو يلمز بأدنى لمز، كيف تصدر منه في حق المسلمين أنواع الافتراءات والإتّهامات…!!

(1) لأحد أتباع ابن تيمية في هذا العصر، يحذّر فيه من قراءة مئات الكتب المؤلّفة ضدّهم، بعد التعريف بها وبمؤلّفيها، وهم من علماء المسلمين شيعةً وسنّةً.
(2) كتب حذر منها العلماء ـ كتب تقدح في الدعوة السلفية، 39، هموم داعية، لمحمّد الغزالي، النظرة الاولى ـ 1/215ـ217.
(3) المصدر 1/221 ـ 222.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *