سيّدنا أبو طالب عليه السّلام

سيّدنا أبو طالب عليه السّلام

وأصرّ ابن تيميّة على كفر سيّدنا أبي طالب ـ والعياذ بالله ـ وليس السبب في ذلك إلاّ البغض لأمير المؤمنين عليه السلام… وهذه عبارته:
«وأيضاً، فهم يقدحون في العبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي تواتر إيمانه، ويمدحون أبا طالب الذي مات كافراً باتّفاق أهل العلم، كما دلّت عليه الأحاديث الصحيحة، ففي الصحيحين…»(1) ثم أورد الحديث الموضوع المعروف بحديث الضحضاح ونحوه.
أقول:
نعم، إنّ أعظم ما وضعوه في الباب وأشنعه حديث الضّحضاح، وقبل الدخول في البحث عنه ـ بإيجاز ـ نذكّر بأنّ ابن حزم الأندلسي ـ الذي طالما استند إليه ابن تيمية واعتمد عليه ـ يصرّح بأنّ الإحتجاج بمثل هذه الأحاديث باطل، وهذا نصّ كلامه:
«لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا، فهم لا يصدّقونا، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدّقها، وإنما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّة به، سواء صدّقه المحتج أو لم يصدّقه، لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري، فيصير الخصم يومئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه»(2).
هذا، مضافاً إلى تصريح ابن تيميّة بوجود أغلاط في الصّحيحين.
أمّا حديث الضّحضاح، فقد أخرجه البخاري في كتابه ـ الذي هو أصحّ الصحيحين عند جمهورهم ـ عن: مسدّد، عن يحيى، عن سفيان، عن عبد الملك، عن عبدالله بن الحارث، عن العبّاس بن عبد المطلب.
ويكفي أنّ في طريقه «عبد الملك بن عمير اللّخمي» وهذا الرجل ـ كما ترجمنا له في بعض بحوثنا ـ مقدوح ومجروح جدّاً، نجد الكلمات في قدحه بترجمته من (ميزان الإعتدال) و(تهذيب التهذيب) وغيرهما. وقد كان من المبغضين لأهل البيت عليهم السلام، حتى روي أنّه باشر ذبح سفير الحسين بن علي عليهما السلام إلى الكوفة وهو جريح، فلمّا عوتب على ذلك قال: أردت أن أريحه!!
وروى البخاري ـ عن: محمود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبيه ـ أنّه لمّا حضرته الوفاة دخل عليه النبي وقال له: أي عم قل لا إله إلاّ الله… وفيه نزل قوله تعالى (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(3).
ويكفي أنّ فيه «الزهري»، وهو من أشدّ الناس انحرافاً عن أميرالمؤمنين.
أقول:
والأدلّة على جلالة قدر سيّدنا أبي طالب عليه السلام وعظيم منزلته عند الله ورسوله ـ لمواقفه الكريمة ومشاهده الشريفة في الدفاع عن الإسلام ورسوله ـ كثيرة جدّاً، وهي مذكورة في بطون كتب الفريقين، وقد خصّ ذلك غير واحد من أعلام المسلمين بالتأليف، ردّاً على المنافقين ودحضاً لشبهات أعداء الدين والنواصب لأمير المؤمنين.

(1) منهاج السنة 4/351.
(2) الفصل في الملل والاهواء والنحل ـ الكلام في الامامة والمفاضلة 4/94.
(3) صحيح البخاري ـ كتاب مناقب الانصار، باب قصة أبي طالب، الباب 102، الحديث 389ـ3/131.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *