حديث: مثل أهل بيتي كسفينة نوح، كذب

حديث: مثل أهل بيتي كسفينة نوح، كذب
قال ابن تيميّة: «وأمّا قوله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح. فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح(1)، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، فإن كان
قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطّاب الليل الذين يروون الموضوعات، فهذا مما يزيده وهناً»(2).
أقول:
هذا الحديث أخرجوه بأسانيدهم عن: أميرالمؤمنين عليه السّلام، وأبي ذر الغفاري، وعبد الله بن عبّاس، وأبي سعيد الخدري، وأبي الطفيل، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وسلمة بن الأكوع.
ومن رواته من أصحاب «كتب الحديث التي يعتمد عليها»:
أحمد بن حنبل، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير الطبري، والنسائي، والطبراني، والدار قطني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم الإصفهاني، والخطيب البغدادي، وأبو المظفّر السمعاني، والمجد ابن الأثير، والمحبّ الطبري، والذهبي، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، والسيوطي، وابن حجر المكي، والمتقي، والقاري، والمناوي، وغيرهم(3).
فإن كان هؤلاء «من حطّاب الليل الذين يروون الموضوعات» فأهلا وسهلا!!
ومن أسانيده المعتبرة عندهم:
* ما أخرجه الحاكم، وصحّحه على شرط مسلم.
* وما أخرجه الخطيب التبريزي في (المشكاة) فإنّه قد التزم فيه ـ تبعاً للبغوي صاحب (المصابيح) ـ إخراج الصّحاح والحسان فحسب.
* ثمّ إنّ من أسانيده المعتبرة ما أخرجه الطبراني في (الصغير) قال: «حدّثنا محمّد بن عبد العزيز بن محمّد بن ربيعة الكلابي أبو مليل الكوفي، حدّثنا أبي، حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري، عن أبي سلمة الصائغ، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدري، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وانما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، من دخله غفر له.
لم يروه عن أبي سلمة إلاّ ابن أبي حمّاد. تفرّد به عبد العزيز بن محمّد»(4).
فهذا الإسناد لا يُتكلَّم فيه إلاّ من جهة «عطيّة».. وهو من رجال: البخاري في (الأدب المفرد) وأبي داود في (سننه) والترمذي في (سننه) وابن ماجة في (سننه) وأحمد في (مسنده)…
ووثّقه ابن سعد، وقال الدوري عن ابن معين: صالح، وقال البزّار: يعدّ في التشيّع، روى عنه جلّة الناس، وقال أبو حاتم وابن عدي: يكتب حديثه.
وعلى الجملة، فهو من رجال غير واحد من الصّحاح والمسانيد، والبخاري في (الأدب المفرد)، وقد تكلّم فيه بعض الرجاليين، لأجل تشيّعه، وهو غير ضائر.
* وما أخرجه الحاكم وصحّحه على شرط مسلم، ووافق الذهبي على كونه من شرطه إلاّ أنه قال: «قلت: مفضّل خرّج له الترمذي فقط، ضعّفوه».
إذن، هو على شرط مسلم ومن رجال الترمذي، ولم أعرف السّبب في تضعيفه، بل المستفاد من كلماتهم القدح في رواياته لا فيه بنفسه، فقيل: «منكر الحديث» بل ليست جميع رواياته كذلك، فقد قال ابن عدي: «أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي، وسائره أرجو أن يكون مستقيماً»(5) وهذا الحديث ليس من حديث الحسن بن علي، فهو من المستقيم عند ابن عدي.
وتلخص: صحّة هذا السند.
* وما أخرجه غير واحد من أئمّة الحديث بأسانيدهم، كالبزّار والطبراني، عن ابن عباس… ولم يتكلّم فيها إلاّ من جهة «الحسن بن أبي جعفر»(6).
أقول:
هذا الرّجل روى عنه: أبو داود الطيالسي، وابن مهدي، ويزيد بن زريع، وعثمان بن مطر، ومسلم بن إبراهيم، وجماعة غيرهم من مشاهير الرواة والأئمة، وروايتهم عنه تدل على جلالته.
وقال مسلم بن إبراهيم: كان من خيار الناس. وقال عمرو بن علي: صدوق، وقال أبو بكر بن أبي الأسود: ترك ابن مهدي حديثه ثم حدّث عنه وقال: ما كان لي حجة عند ربي، وقال ابن عدي: الحسن بن أبي جعفر أحاديثه صالحة، وهو يروي الغرائب، وهو عندي ممن لا يتعمّد الكذب، وهو صدوق. وقال ابن حبان: من خيار عباد الله الخشّن، وكان من المتعبّدين المجابين الدعوة(7).
وتلخص: صحّة هذا السند أيضاً.
* وما أخرجه الحسن بن سفيان الفسوي قال: «حدّثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل حدّثه، عن حنش قال: رأيت أبا ذر آخذاً بحلقة باب الكعبة وهو يقول: يا أيّها الناس أنا أبو ذر فمن عرفني؟ ألا وأنا أبو ذر الغفاري، لا اُحدّثكم إلاّ ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول. سمعته وهو يقول: أيها الناس إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله عزّوجلّ وعترتي أهل بيتي، وأحدهما أفضل من الآخر كتاب الله عزّوجل، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض،وإن مثلهما كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق»(8).
وهذا الإسناد رجاله رجال الصّحاح ولا كلام فيه إلاّ من ناحية «عن رجل حدّثه» لكن غير واحد من الأئمة كالأعمش، يرويه عن أبي إسحاق عن حنش، بلا واسطة… فيكون الحديث صحيحاً.

(1) في بعض الكتب نقلا عن منهاج السنة: لا صحيح ولا ضعيف. وقد اُسقطت كلمة «ولا ضعيف» في الطبعتين القديمة والحديثة، وكلمة «لا» من «لا صحيح» غير موجودة في القديمة.
(2) منهاج السنة 7/395.
(3) تجد رواية هؤلاء في: مشكاة المصابيح ـ كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، الفصل الثالث، الحديث 6174، 3/1742. تاريخ الخلفاء، مجمع الزوائد ـ كتاب المناقب، باب في فضل أهل البيت رضي الله عنهم 9/168. المستدرك على الصحيحين ـ كتاب التفسير، سورة هود، الحديث 3312، 2/373. تاريخ بغداد، الترجمة 6507، علي بن محمد المطراز 12/91. النهاية في غريب الحديث ـ باب الزاي مع الخاء 2/298. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، القسم الأول فيما جاء في القرابة على وجه العموم باب فضائل أهل البيت، ذكر أنّهم كسفينة نوح عليه السلام: 20. فيض القدير شرح الجامع الصغير ـ حرف الهمزة الحديث 2442، 2/658، والترجمة 8162، 5/660. جواهر العقدين ـ القسم الثاني، الخامس ذكر أنهم أمان الأمة 2/120. الصواعق المحرقة الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي، الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم: 152. كنز العمال ـ الباب الخامس في فضائل اهل البيت، الفصل الأول في فضلهم مجملا الحديث 34144، 12/96 والحديث 34151، 12/95 والحديث 34169، 12/98 والحديث 34170، 12/98. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ باب مناقب أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله عنهم، الفصل الثالث 5/610. المطالب العالية ـ كتاب المناقب، باب أهل البيت، الحديث 4003 ـ 4004، 4/75. وغيرها.
(4) المعجم الصغير ـ باب الميم، من اسمه محمّد 2/22.
(5) ميزان الاعتدال ـ حرف الميم، الترجمة 8728، مفضل بن صالح ـ 4/167.
(6) مجمع الزوائد ـ باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم ـ 9/168.
(7) راجع تهذيب التهذيب ـ حرف الحاء ـ الترجمة 1292، حسن بن أبي جعفر عجلان 2/240.
(8) المعرفة والتاريخ ـ ترجمة عبدالله بن عمر بن الخطاب 1/296.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *