حول الإجماع على عثمان

الكلام حول الإجماع على عثمان
وأمّا الإستدلال بالإجماع على إمامة عثمان وأفضليّته ـ فيما نسبه ابن تيمية إلى «العلماء» ـ فالعمدة فيه هو البيعة في الشّورى، حيث ادّعى أن أهل الشورى اتّفقوا على تقديم عثمان على علي، ثم تبعهم أهل الشوكة والاُمراء وعموم الناس!
لكن الحقيقة التي أغفلها ابن تيمية قضيّة اشتراط عبد الرحمن بن عوف على علي وعثمان بالعمل على سيرة الشيخين، فأبى علي ووافق عثمان فكان الخليفة!
لقد أصبح هذا الشّرط هو المعيار لتعيين الخليفة، لا النصّ ولا الإجماع ولا الشورى، وأميرالمؤمنين عليه السّلام رفض الإلتزام به… وقد روى هذا الإشتراط ـ وعدم قبول علي عليه السلام وقبول عثمان له ـ غير واحد من المؤرّخين، ولذا قال علي لعبد الرحمن بن عوف:
«حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك، والله كلّ يوم في شأن»(1).
أقول:
وكأنّ ابن تيميّة يعلم بهذا كلّه، فينسب هذه الإستدلالات إلى «العلماء» محاولةً للخروج عن عهدتها، ولكن كان عليه أن يصرّح بأسماء المستدلّين لنعرفهم ولنرجع إلى كتبهم!!
إنّ الإضطراب على كلمات ابن تيمية في هذا الموضع أيضاً لائح جدّاً… وهكذا في كلماته الآتية.
إنّه يصف الذين خرجوا على عثمان بأنّهم طائفة من أوباش الناس!(2) وهو يصرّح بأنّ الصّحابة لم ينصروا عثمان!(3)ويقول في موضع آخر: «والمباشر منهم للقتل ـ وإن كان قليلا فكان ردؤهم أهل الشوكة، ولو لا ذلك لم يتمكّنوا»(4).
ومن مشاهد اضطرابه هنا: إنه يقول بأن الخارجين كانوا «أوباش الناس» و«المباشر كان قليلا» فيوجّه على نفسه الإشكال بأن «معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، وصار أميراً على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قدبقوا!!
بل روي عنه أنه لمّا قدم المدينة حاجّاً فسمع الصوت في دار عثمان: يا أميرالمؤمنيناه، يا أمير المؤمنيناه. فقال: ما هذا؟ قالوا: بنت عثمان تندب عثمان.
فصرف الناس، ثم ذهب إليها فقال: يا ابنة عم، إنّ الناس قد بذلوا لنا الطّاعة على كره، وبذلنا لهم حلماً على غيظ، فإن رددنا حلمنا ردّوا طاعتهم، ولأن تكوني بنت أميرالمؤمنين خير من أن تكوني واحدة من عرض الناس، فلا أسمعنّك بعد اليوم ذكرت عثمان»(5).
فحتّى لابنة عثمان يقول: «فلا أسمعنّك بعد اليوم ذكرت عثمان»!! فلا يجوز ذكر عثمان بعد الوصول إلى الحكم!! ولا يجب إجراء حكم الله في حقّ من «بقوا» من قتلته «الأوباش» «القليلين»!!
وعندما تصل النّوبة إلى «عائشة» التي كانت من أشدّ المحرّضين على قتله، تراه يضطرب أشدّ الاضطراب!.
إنه يقول: «أين النقل الثابت عن عائشة بذلك؟».
لكنّه يعلم بوجود النقل الثابت، فيتنازل قائلا:
«هب أنّ واحداً من الصّحابة، عائشة أو غيرها، قال في ذلك على وجه الغضب، لإنكاره بعض ما ينكر، فليس قوله حجّة، ولا يقدح ذلك لا في إيمان القائل ولا المقول له، بل قد يكون كلاهما وليّاً لله تعالى، من أهل الجنة، ويظنّ أحدهما جواز قتل الآخر، بل يظن كفره، وهو مخطىء في هذا الظن»!(6)
والتجأ ـ بالتّالي ـ إلى الإعتراف بما كان من عثمان، غير أنّه ادّعى توبته: «وعثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ تاب توبةً ظاهرةً من الاُمور التي صاروا ينكرونها ويظهر له أنها منكر، وهذا مأثور مشهور عنه»(7).
لكن ما الذي تاب منه؟!
وابن تيميّة يقول في قضيّة عبد الله بن أبي سرح: «إن هذا كذب على عثمان».
وفي أمره بقتل محمّد بن أبي بكر: «فهذا من الكذب المعلوم على عثمان»!
وبالنسبة إلى ما كان بينه وبين ابن مسعود وعمار: «إن هذا من الكذب البيّن»!
وفي أنه كان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال: «أين النقل الثابت بهذا»؟
وفي قصّة طرد الحكم: «ليست في الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها».
وفي نفي أبي ذر إلى الربذة: «إنّ أباذر سكن الربذة ومات بها، لسبب ما كان يقع بينه وبين الناس»!
وفي تضييعه حدود الله: «هذا أيضاً كذب»(8).
فما هي الذنوب التي تاب منها فلم يجز قتله بعد التوبة؟

(1) تاريخ الطبري ـ سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، قصة الشورى 3/297 والكامل في التاريخ ـ سنة ثلاث وعشرين ـ ذكر قصة الشورى 3/71.
(2) منهاج السنة 8/234.
(3) منهاج السنة 4/323.
(4) منهاج السنة 4/407.
(5) منهاج السنة 4/407ـ408.
(6) منهاج السنة 4/330.
(7) منهاج السنة 6/208.
(8) منهاج السنة 6/244ـ296.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *