قدّموه لكونه أفضل

قدّموه لكونه أفضل!!
زعم أنّهم قدّموا أبا بكر لكونه أفضل…
وإذا وصل الأمر إلى الأفضليّة… فالأمر هيّن!
إنّ أوّل من ينفي أفضليّته هو أبو بكر نفسه! وقد أعلن ذلك مراراً:
منها: قوله في السقيفة: رضيت لكم أحد هذين الرجلين. أخرجه البخاري عن عمر.
منها: إعلانه بعد البيعة أنّه ليس بخير الاُمّة، وأنّ له شيطاناً يعتريه، وأن عليهم أن يستعملوا من هو أقوى منه وأضبط…(1)
ومنها: تمنّياته عند موته، ليتني… وليتني… و…(2)
أقول:
«كم بين من شكَّ في خلافته *** وبين من قيل إنه الله؟»(3)
ثم إن قولة عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة… أخرجها البخاري عن عمر، دالّة على أن خلافة أبي بكر لم تكن مرضيّةً عند القوم، فلذا هدّد عمر بقتل من عاد إلى مثلها!! ومن هنا فقد اضطرب القوم في هذه الكلمة وحاولوا صرفها إلى غير معناها…
وقبل ذلك كلّه: تأمير النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اُسامة على أبي بكر، وأمره بخروجه معه، ثم لعنه من تخلّف، وقد كان أبو بكر من جملة المتخلّفين… وهذه القضية كافية لعدم صلاحيّة الرجل للإمامة والخلافة…
وابن تيميّة ملتفت إلى ذلك، فلم يكن له مناص من تكذيبه مرةً بعد اُخرى، وتأكيده التكذيب بأنّ عدم كونه في جيش اُسامة مما اتّفق عليه أهل العلم، فيقول: «إن هذا من الكذب المتّفق على أنه كذب عند كلّ من يعرف السيرة، ولم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش اُسامة، وإنما روي ذلك في عمر، وكيف يرسل أبا بكر في جيش اُسامة وقد استخلفه يصلّي بالمسلمين مدة مرضه؟»(4).
وقال: «فأمّا تأمير اُسامة عليه فمن الكذب المتفق على كذبه»(5).
وقال: «هذا إنما يكذبه ويفتريه من هو من أجهل الناس بأحوال الرسول والصحابة، وأعظم الناس تعمّداً للكذب، وإلاّ فالرسول صلّى الله عليه وسلّم طول مرضه يأمر أبا بكر أن يصلي بالناس…»(6).
وقال: «إن هذا كذب بإجماع علماء النقل، فلم يكن في جيش أسامة لا أبو بكر ولا عثمان، وإنما قد قيل إنه كان فيه عمر. وقد تواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه استخلف أبا بكر على الصلاة حتى مات… فكيف يكون مع هذا قد أمره أن يخرج في جيش اُسامة؟»(7).
وقال: «وأمّا قوله: إنه أمّر اُسامة رضي الله عنه على الجيش الذين فيهم
أبو بكر وعمر، فمن الكذب الذي يعرفه من له أدنى معرفة بالحديث، فإن أبا بكر
لم يكن في ذلك الجيش، بل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يستخلفه في الصّلاة…»(8).
إذن، إذا ثبت كونه في جيش اُسامة ثبت كذب أن النبي استخلفه على الصلاة… هذا معنى هذه الكلمات، كما لا يخفى… فلننقل عبارة الحافظ ابن حجر العسقلاني، الصريحة في قيام الإتفاق على كون أبي بكر في هذا الجيش، فإنه قال في شرح البخاري ما نصّه:
«كان تجهيز اُسامة يوم السبت قبل موت النبي صلّى الله عليه وسلّم بيومين.. فبدأ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه في اليوم الثالث، فعقد لاُسامة لواءً بيده، فأخذه اُسامة، فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف، وكان ممن انتدب مع اُسامة كبار المهاجرين والأنصار، منهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم، فتكلّم في ذلك قوم… ثم اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه فقال: أنفذوا بعث اُسامة.
وقد روي ذلك عن: الواقدي، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن الجوزي، وابن عساكر»(9).
كما أنّ من تكذيب ابن تيمية كون أبي بكر في جيش اُسامة ـ مع رواية أئمة التاريخ والحديث والسّيرة ذلك ـ تظهر قيمة تكذيبه كما أشرنا… من كلمات أبي بكر عند موته… فلا نطيل.

(1) رواه ابن سعد، وعنه السيوطي وابن حجر المكي، وابن راهويه وعنه المتقي الهندي، وحمزة بن الحارث وأبو السمّـان وعنهما محبّ الدين الطبري، وأبو جعفر الطبري في التاريخ وعنه ابن أبي الحديد.
(2) تاريخ الطبري، السنة الثالثة عشر 2/619 ـ 620.
(3) الدرر الكامنة، الترجمة 2477، عبد القوي بن عبد الكريم القرافي الحنبلي الطرفي الرافضي 2/396.
(4) منهاج السنة 5/486.
(5) منهاج السنة 5/491.
(6) منهاج السنة 6/320.
(7) منهاج السنة 8/292ـ293.
(8) منهاج السنة 4/276.
(9) فتح الباري، باب بعث النبي اُسامة بن زيد ـ 8/152.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *