كلام الكفاية

فبعد الفراغ عن سقوط الأمر بالصّلاة مع وجود الأمر بالإزالة، لاستحالة الأمر بالضّدين، وعن عدم إمكان إحراز الملاك بأحد الطرق الثلاثة كي يُقصد وتتمُّ به عباديّة العمل، تصل النوبة إلى البحث عن الترتّب، وأنّه لو عصى الأمر الأهمّ ـ وهو الأمر بالإزالة ـ هل يثبت الأمر بالمهمّ وهو الأمر بالصّلاة، فيؤتى بها بقصده ويكون عبادةً أو لا يثبت ؟
والكلام تارةً: في الواجبين الموسّعين، ولا تزاحم بينهما، لا في مقام الجعل ولا في مقام الامتثال، لأنّ الوقت يسع كلا الأمرين ويتحقّق امتثالهما معاً، وأُخرى: في الواجبين المضيّقين، كوجوب إنقاذ هذا الغريق وذاك، وهو مورد التزاحم، وثالثةً: فيما إذا كان أحدهما موسّعاً والآخر مضيّق، فهل هما كالمضيّقين، كما دار أمر المكلّف بين أداء الصّلاة في أوّل الوقت وإزالة النجاسة عن المسجد ؟
قال في الكفاية(1) بعد كلام له:
فقد ظهر أنّه لا وجه لصحّة العبادة مع مضادّتها لما هو أهمّ منها إلاّ ملاك الأمر. نعم، فيما إذا كانت موسّعةً وكانت مزاحمة بالأهمّ ببعض الوقت ـ لا في تمامه ـ يمكن أن يقال: إنّه حيث كان الأمر بها على حاله وإن صارت مضيّقةً بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها، أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الأمر، فإنّه وإن كان خارجاً عن تحتها بما هي مأمور بها، إلاّ أنّه لما كان وافياً بغرضها كالباقي تحتها، كان عقلاً مثله في الإتيان به في مقام الامتثال والإتيان به بداعي ذاك الأمر، بلا تفاوت في نظره بينهما أصلاً.
ودعوى: إنّ الأمر لا يكاد يدعو إلاّ إلى ما هو من أفراد الطبيعة المأمور بها، وما زوحم منها بالأهم وإن كان من أفراد الطبيعة لكنّه ليس من أفرادها بما هي مأمور بها. فاسدة، فإنّه إنّما يوجب ذلك إذا كان خروجه عنها بما هي كذلك تخصيصاً لا مزاحمة، فإنّه معها وإن كان لا تعمّه الطبيعة المأمور بها إلاّ أنّه ليس لقصور فيه، بل لعدم إمكان تعلّق الأمر بما تعمّه عقلاً. وعلى كلّ حال، فالعقل لا يرى تفاوتاً في مقام الامتثال وإطاعة الأمر بها بين هذا الفرد وسائر الأفراد أصلاً.
هذا على القول بكون الأوامر متعلّقة بالطبائع.
وأمّا بناءً على تعلّقها بالأفراد فكذلك، وإن كان جريانه عليه أخفى، كما لا يخفى. فتأمّل.
وحاصل كلامه هو: إنّ الأمر بالصّلاة مثلاً قد تعلّق بالطبيعة، والفرد المزاحَم بالأمر بالإزالة خارج من تحت هذا الإطلاق، لكنّ هذا الخروج تزاحمي وليس تخصيصيّاً، فلو كان خروجه كذلك لم يمكن الإتيان به بقصد الأمر بالطبيعة أو بقصد الملاك، أمّا مع الخروج التزاحمي فالإتيان به بقصد الأمر أو الملاك لا مانع منه، إذ العقل لا يرى تفاوتاً بينه وبين غيره من أفراد الطبيعة في الوفاء بالغرض.
فالفرد المزاحم خارج عن الطبيعة بما هي مأمور بها، إلاّ أنّ ذلك غير ضارّ، لأنّه كغيره من الأفراد واف بالغرض من الأمر عند العقل بلا تفاوت.

(1) كفاية الأُصول: 136.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *