تحقيق المحقّق الاصفهاني

تحقيق المحقّق الاصفهاني
والعمدة هو فهم كيفية أخذ « الإيصال » في المقدّمة، إذ لا ريب في أن متعلّق الوجوب هو ما دخل تحت الطلب من طرف المولى، فهل هو عبارة عن المقدّمة بوصف الموصليّة إلى ذي المقدّمة المنتزع من ذي المقدّمة، أي المقدّمة المقيّدة بوجود ذيها، أو أنّ المراد منها عبارة عن الحصّة التوأمة مع وجود ذي المقدّمة كما هو المستفاد من كلام المحقّق العراقي، أو المراد منها العلّة التامّة، أو الحصّة ـ من المقدّمة ـ الملازمة لوجود ذي المقدّمة ـ لا المقيَّدة بوجوده ـ كما هو المستفاد من كلام المحقّق الإصفهاني ؟
والحاصل: إنّ المحقّق الاصفهاني يرى أنّ المراد من المقدّمة هي الحصّة منها الملازمة لوجود ذيها، هذا في تقريب. وفي تقريب آخر: أنّ المراد هو العلّة التامّة. وعلى كلّ منهما فإشكال الكفاية من اجتماع المثلين، وكذا ما طرحناه أخيراً من اجتماع المتأخّر والمتقدّم في الشيء الواحد… يرتفع….
قال قدّس اللّه روحه(1):
إنّ المراد من المقدّمة ما يكون مقدّمةً لذيها بالفعل لا بالقوّة، فالحطب مقدّمة للطبخ، لكنه تارةً: مقدّمة بالقوّة وهو ما كان قبل الاشتعال، وأُخرى: بالفعل وهو ما كان مشتعلاً، وهاتان حصّتان من وجود الحطب، وكذا الكلام في اشتراط الشيء بشرط، فإنّه تارة يكون شرطاً بالقوّة وأُخرى بالفعل، فإنْ كان المقتضي بالفعل فسيكون الشرط أيضاً فعليّاً، كما في يبوسة الحطب ومماسّته للنار من أجل الاحتراق، فلا يمكن تماميّة الاقتضاء إلاّ مع فعليّة الشرط، وإذا تمّ الأمران، أصبح المشروط والمقتضى فعليّاً….
وعلى الجملة، فإنّه يوجد تلازم بين أجزاء العلّة، ويوجد تلازم بين أجزاء العلّة ـ المقدّمة ـ مع المعلول، وهو ذوها.
ومن الواضح: إنّ التلازم غير التوقّف… ولذا يكون بين « الابوّة » و« البنوّة » تلازم، لكنْ لا توقف لأحدهما على الآخر.
وعلى هذا، فإنّ المراد من المقدّمة الموصلة هو المقدّمة الملازمة ـ أو التوأمة ـ مع وجود ذيها، لا أنّ وجوده موقوف على وجودها، بل إنّ فعليّتهما تكون في عرض واحد وليستا في الطول ليرد عليه الإشكال.
وملخّص هذا البيان:
أوّلاً: إنّ المطلوب من المقدّمة هو الحصّة الموجودة بالفعل منها لا بالقوّة.
وثانياً: إنّ بين المقدّمة وذيها تلازماً من قبيل التلازم بين أجزاء المقدّمة والعلّة التامّة، وليس بينهما توقّف.
وثالثاً: إنّه لمّا كان الغرض قائماً بوجود ذي المقدّمة، وهو لا يتحقّق إلاّ بالمقدّمة، فالإرادة تتعلّق بنفس ذي المقدّمة، ويحصل منها إرادة تبعيّة غيريّة متعلّقة بالمقدّمة، ولا يمكن أن يكون متعلّقاً بالقوّة كما تقدّم.
فظهر بذلك أنّ المراد من الموصليّة ليس الإناطة والتقييد، فكلّ الإشكالات المتقدّمة من الميرزا والكفاية وغيرهما مندفعة.
أقول:
هذا البيان في المحقّق الإصفهاني هو أحد التقريبين منه لمبنى صاحب الفصول.
وأمّا التقريب الآخر له، فهو على أساس كون المراد من المقدّمة هو العلّة التامّة، وقد تعرّض له شيخنا كذلك، ثمّ أورد عليه اشكالات، كلّها ترجع إلى خصوصيّات وجزئيّات في كلام المحقّق الاصفهاني. أمّا بالنسبة إلى ما يتعلّق بدفع الإشكالات المزبورة، فقد وافق الأُستاذ على ما ذكره من أنّ: متعلّق الإرادة الغيريّة هو الحصّة الملازمة مع وجود ذي المقدّمة لا الحصّة المقيّدة بالإيصال إليه… والفرق بين المسلكين واضح، فإنّه على مسلك المحقّق الإصفهاني تكون المقدّمة هو ما ينتهي إلى وجود ذيها، وعلى مسلك صاحب الفصول قد يقع التخلّف بينهما، لأنّه قيد ومقيّد. والصحيح هو الأوّل، لأن ما ينتهي إلى ذي المقدّمة يكون دائماً متعلّقاً للإرادة الغيريّة والشوق الغيري، وأمّا على الثاني فالإشكالات ترد، لأنّ التقيّد بوجوده لا يكون إلاّ بنحو الاشتراط به بنحو الشرط المتأخّر، فيقع البحث عن كيفيّة هذا الاشتراط، وأنّه في الواجب أو الوجوب، بخلاف المسلك الأوّل، فإنّه لا اشتراط ـ بناءً عليه ـ لا في الواجب ولا في الوجوب، بل الواجب من المقدّمة عبارة عن الحصّة منها الملازمة مع وجود ذيها، ووجود أحد المتلازمين ليس مشروطاً بوجوب الملازم الآخر حتّى يبحث فيه عن أنّه شرط للوجوب أو الواجب.
وهذا هو الحق، وهو تامّ ثبوتاً، وكذا إثباتاً، والوجدان قائم على أنّه إذا تعلّق الشوق بشيء، فكلّ ما يكون في طريقه فهو مشتاق إليه دون ما ليس كذلك.
هذا تمام الكلام في المقام، ويبقى التحقيق عن ثمرة البحث.

(1) نهاية الدراية 2 / 138 ـ 139.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *