كلام المحقّق الإصفهاني في الواجب النفسي

كلام المحقّق الإصفهاني في الواجب النفسي
وقد ذكر المحقق الإصفهاني لذلك وجوهاً ثلاثة:
أحدها: قاعدة اللطف، فإنها تقتضي تكليف العباد لغرض إيصالهم إلى المصالح المترتّبة على التكاليف وإبعادهم عن المفاسد المترتّبة على تركها أو إتيان المحرّمات، وهذا لطف عظيم، إلاّ أنّ للوعد والوعيد دخلاً في تحقّق الامتثال وقبول البشارة والنذارة، ولا ريب في وجوب الوفاء بالوعد، فيكون ترتّب الثواب على الأعمال واجباً شرعاً، وكذا استحقاق العقاب على المخالفة والمعصية.
والثاني: تجسّم العمل، فإنّ هناك ملازمةً بين الأعمال وبين الصّور المناسبة لها، فالعمل إن كان حسناً تحقّقت صورة حسنة مناسبة له، وإن كان سيّئاً تحقّقت صورة مناسبة له… وهذا وجه آخر لترتّب الثواب والعقاب على الإطاعة والمعصية، وأنّهما من لوازم الأعمال، كالملازمة بين النار والحرارة وغيرهما من التكوينيّات.
والثالث: حكم العقل، بيانه: إنّ حفظ النظام غرض من أغراض العقلاء بالضرورة، وهم يرون ضرورة تحقّق كلّ ما يؤدّي إلى حفظ النظام، ومن ذلك المدح والجزاء على العمل الحسن والذم والمؤاخذة على العمل السيّئ، فالأوامر والنواهي المولويّة ـ سواء المولى الحقيقي أو العرفي ـ لها مصالح ومفاسد ولها دخل في حفظ النظام، والعمل الحسن يستتبع استحقاق الجزاء الحسن والعمل السّيئ يستتبع استحقاق العقوبة، فإذا أعطى المولى الجزاء أو عاقب على المعصية وقع في محلّه، لا أنّه واجبٌ على المولى ذلك وأنّ للعبد المطالبة بالثواب على عمله، فإنّ هذا لا برهان عليه(1).
أقول:
وقد تكلّم الأُستاذ دام بقاه على الوجه الثالث من هذه الوجوه ومحصّله: أن الحكم بترتّب الثواب والعقاب عقلائي، وهو حكم عرضي بلحاظ حفظ النظام، وليس ذاتيّاً، وأنّ هناك كبرى واحدة تجري في المولى الحقيقي والمولى العرفي… فناقشه: بأنّ الأحكام العقلائية هي قضايا توافقت عليها آراؤهم حفظاً للنظام، لكنّ الحاكم باستحقاق الثواب والعقاب على موافقة حكم المولى الحقيقي أو مخالفته هو العقل لا العقلاء، لأنّ الأحكام العقلائيّة تدور مدار النظام وحفظه، أمّا حكم العقل بقبح مخالفة المولى الحقيقي فموجود سواء كان هناك عقلاء ونظام أو لم يكن… فإنّ العقل يرى قبح معصية المولى الحقيقي على كلّ حال، ولو كان هذا الحكم عقلائيّاً لجازت المعصية حيث لا يوجد نظام أو عقلاء، أو حيث لا يلزم اختلال للنظام، وهذا باطل.
والحاصل: إنّ كلام هذا المحقّق يستلزم جواز مخالفة المولى الحقيقي حيث لا يترتّب على المخالفة اختلال للنظام العقلائي، وأنّه في حال عدم لزوم الاختلال فلا دليل على وجوب إطاعة أوامر الباري وحرمة معصيته، وهذا اللازم باطل، لأنّ العقل مستقل بلزوم إطاعة المولى الحقيقي في جميع الأحوال وعلى كلّ التقادير.

(1) نهاية الدراية 2 / 110.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *