طريق المحقّق الإصفهاني

طريق المحقّق الإصفهاني
وطريق المحقّق الإصفهاني(1) ناظر إلى قاعدة إنّ كلّ ما بالعرض لابدّ وأن ينتهي إلى ما بالذات، ومن ذلك مطلوبيّة الشيء، فإنّها إن كانت بالعرض لابدّ وأن تنتهي إلى مطلوب بالذات، سواء عند الإنسان والحيوان، فإنّ الحيوان لمّا يطلب القوت، فإنّه طلب بالعرض، والمطلوب الذاتي هو البقاء والحياة، فانتهى الأمر إلى حبّ الذات… وفي القضايا المعنوية نرى أنّ جميع مرادات الإنسان ترجع إلى مراد بالذات هو معرفة اللّه عزّ وجل. وفي التشريعيّات كذلك، فإنّه عندما يأمر بشراء اللحم، فإن هذا مطلوب بالعرض، والمطلوب بالذات هو طبخ اللحم وأكله.
وفي التشريعيّات، تارةً: يتوجّه الخطاب بالمطلوب بالعرض والخطاب بالمطلوب بالذات، يتوجّه كلاهما إلى شخص واحد، وأُخرى: يكون متعلّق الإرادة التشريعيّة ـ أي المطلوب بالعرض ـ فعل شخص، ويكون متعلّق الغرض القائم بذلك الفعل ـ أي المطلوب بالذات ـ فعل شخص آخر، فيأمر زيداً بشراء اللحم، ويأمر عمراً بطبخه.
فالمناط في النفسي والغيري هو: إنّه إن كان المطلوب الذاتي مطلوباً من نفس الشخص ـ الذي طلب منه المطلوب بالعرض ـ جاء البحث عن أنّ هذا الغرض حينئذ مطلوب لزومي أو لا؟ فإن كان لزوميّاً، صار شراء اللحم واجباً غيريّاً. وإن كان المطلوب الذاتي قائماً بشخص آخر، كان شراء اللحم من الأوّل مطلوباً نفسيّاً لا غيريّاً، إذ لم يطلب منه شيء آخر سواه وإنْ كان شراء اللحم مقدّمةً لطبخه.
وتلخّص: إنّه إن كان المراد بالذات والمراد بالعرض قائمين بشخص واحد، كان المراد بالعرض واجباً غيريّاً والمراد بالذات واجباً نفسيّاً، وإن كان المراد بالذات قائماً بشخص غير من قام به المراد بالعرض، كان المطلوب من الشخص الأوّل واجباً نفسيّاً.
قال الأُستاذ
وهذا الطريق لا يجدي حلاًّ للمشكلة، إذ لا ريب في أنّ المبحوث عنه في علم الأُصول هو الأعمّ من الواجبات الشرعيّة والعرفيّة، كما في مسألة حجيّة خبر الواحد، وحجيّة الظواهر، لكنّ الغرض من هذه المباحث هو التحقيق عن حال الأخبار الواردة عن الشارع وظواهر ألفاظه في الكتاب والسنّة… وهكذا في المسائل الأُخرى.
وهنا، لمّا نقسّم الواجبات إلى النفسيّة والغيريّة، فالبحث أعمّ من الخطابات الشرعيّة والعرفيّة، وحلّ المشكل في الخطابات العرفية لا يجدي نفعاً بالنسبة إلى الخطابات الشرعيّة… والطريق المذكور قد حلّ المشكل في العرفيّات، أمّا في الشرعيّات فلا… لأنّ المولى يأمر زيداً بشراء اللحم وعمراً بطبخه، وهذا في الأوامر العرفيّة كثير، أمّا في الشرعيّات، فإن الغرض مطلوب من نفس المخاطب بالعمل، كالإنتهاء من الفحشاء والمنكر، فإنّه مطلوب من نفس من أُمر بالصّلاة، ولا معنى لأنْ يؤمر مكلَّف بالصّلاة ويترتّب الأثر عليها عند مكلّف آخر.
والحاصل: إن كان الغرض ـ كالإنتهاء عن الفحشاء والمنكر ـ لزوميّاً، فالواجب أي الصّلاة غيري، وإنْ لم يكن لزوميّاً فلا وجوب للصّلاة.
فإن قال: الغرض خارج عن قدرة المكلّف واختياره.
قلنا: هذا هو طريق الميرزا.
هذا أوّلاً.
وثانياً: إنّ ما ذكره لا يحلّ المشكلة في العرفيّات أيضاً، ففي المثال الذي ذكره نقول: إن لم يكن للمولى غرض من الأمر بشراء اللّحم لم يعقل صدور الأمر منه به، فلابدّ من الغرض، وهو هنا تمكّن عمرو من طبخ اللحم، ثمّ تمكّن الآمر من الأكل، فإنْ كان هذا التمكّن غرضاً لزوميّاً، فالمفروض وجود القدرة عليه، وحينئذ، جاز تعلّق الأمر به.

(1) نهاية الدراية 2 / 101.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *