الجهة الثانية: هل القضاء بالأمر الأول أو بأمرٍ جديد؟

الجهة الثانية
في أنّ الدليل على وجوب الفعل في الوقت المعيّن هل يدل على وجوبه كذلك في خارج ذلك الوقت، أو لابدّ لوجوبه من دليل آخر ؟ فإن كان الأوّل، فالقضاء بالأمر الأوّل، وإن كان الثاني، فهو بأمر جديد… أقوال:
منها: عدم الدلالة مطلقاً.
ومنها: الدلالة مطلقاً.
ومنها: التفصيل بين ما إذا كان الدليل الدالّ على التقييد بالزمان منفصلاً أو متّصلاً.
ومنها: التفصيل بين ما إذا كان دليل التقييد مهملاً ودليل الوجوب مطلقاً فيدلّ، وإلاّ فلا. وهذا مختار المحقق الخراساني.
قال في ( الكفاية )(1): إنه لا دلالة للأمر بالموقت بوجه على الأمر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت، لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به. نعم، لو كان التوقيت بدليل منفصل لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب إطلاق، لكان قضيّة إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت، وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله.
أقول: وحاصل كلامه الأوّل: إن نسبة دليل التوقيت إلى دليل أصل الوجوب، هو نسبة المقيّد إلى المطلق، فكما يكون الدليل على اعتبار الإيمان في الرقبة مقيّداً لدليل وجوب العتق، كذلك الدليل القائم على مدخليّة الزمان الكذائي في الغرض من التكليف الكذائي، وحينئذ، فمقتضى القاعدة عدم الدلالة على الأمر بالفعل في غير ذلك الوقت، لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به فيه، من جهة مفهوم التحديد.
وأمّا كلامه الثاني فبيانه هو: إن دليل التقييد بالزمان إنْ كان متّصلاً بدليل الوجوب، فهو إمّا مبيّن فيؤثر التقييد كما هو واضح، وإمّا مجمل، فيسري إجماله إلى دليل الوجوب. وإن كان منفصلاً، فتارةً يكون الدليلان مطلقين، وأُخرى مهملين، وثالثةً يكون دليل الوجوب مطلقاً ودليل القيد مطلق، ورابعةً بالعكس.
فإن كانا مهملين، فهذا خارج من البحث.
وإن كان دليل الوجوب مهملاً ودليل التقييد معيّناً، أُخذ بمقتضى دليل التقييد.
وإن كان الدليلان مطلقين، يؤخذ بدليل التقييد أيضاً، لكون نسبته إلى دليل الوجوب نسبة القرينة إلى ذي القرينة.
وإن كان دليل الوجوب مطلقاً ودليل التقييد مجملاً، فإن كان مجملاً مردداً بين المتباينين، سقط دليل التقييد عن الحجيّة، وإن كان مجملاً مردداً بين الأقل والأكثر، رفع اليد عن دليل الوجوب بالمقدار المتيقن وبقي على حجيّته في الزائد عنه.
هذه هي الكبرى، وتطبيقها على المورد هو أنه:
إن كان دليل التقييد بالزمان المعيّن مطلقاً، بأن يكون الوقت دخيلاً في الغرض من المطلوب في جميع الأحوال والأفراد، كان مقتضاه عدم الوجوب في خارج الوقت، لعدم الغرض.
وإن كان دليل الوجوب مطلقاً ودليل التقييد غير مطلق، بأن يكون الغرض قائماً بالمرتبة العالية من الصّلاة مثلاً، وهي الصلاة في الوقت ـ أمّا لو اضطرّ ولم يصلّها كذلك، فالوجوب في خارج الوقت باق، لبقاء الغرض، بعد انتفاء المرتبة العالية ـ فلا حاجة إلى دليل جديد، لأن المفروض اطلاق دليل الوجوب، وأنّ القيد في المرتبة.
وإن كان دليل التقييد مجملاً مردداً بين كونه مقيّداً لأصل الوجوب أو للمرتبة، فيؤخذ بالقدر المتيقّن، ويبقى أصل الوجوب.

(1) كفاية الأُصول: 144.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *