نظرية صاحب الكفاية

نظرية صاحب الكفاية:
قال: الحق أن الأوامر والنواهي تكون متعلّقة بالطبائع دون الأفراد. ولا يخفى أن المراد أن متعلّق الطلب في الأوامر هو صرف الإيجاد، كما أنّ متعلّقه في النواهي هو محض الترك. ومتعلّقها هو نفس الطبيعة المحدودة بحدود والمقيّدة بقيود تكون بها موافقة للغرض والمقصود، من دون تعلّق غرض بإحدى الخصوصيّات اللاّزمة للوجودات، بحيث لو كان الإنفكاك عنها بأسرها ممكناً لما كان ذلك ممّا يضرّ بالمقصود أصلاً، كما هو الحال في القضيّة الطبيعيّة في غير الأحكام، بل في المحصورة على ما حقق في غير هذا المقام.
وفي مراجعة الوجدان للإنسان غنىً وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك، حيث يرى إذا راجعه أنه لا غرض له في مطلوباته إلاّنفس الطبائع، ولا نظر له إليها من دون نظر إلى خصوصيّاتها الخارجيّة وعوارضها العينيّة، وإنّ نفس وجودها السّعي ـ بما هو وجودها ـ تمام المطلوب، وإن كان ذاك الوجود لا يكاد ينفكّ في الخارج عن الخصوصيّة. فانقدح بذلك أن المراد بتعلّق الأوامر بالطبائع دون الأفراد أنها بوجودها السّعي بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود متعلّقة للطلب، لا أنها بما هي هي كانت متعلّقة له كما ربما يتوهّم، فإنها كذلك ليست إلاّ هي، نعم هي كذلك تكون متعلقة للأمر فإنه طلب الوجود. فافهم(1).
توضيحه
عندما يتعلّق الأمر بالصّلاة ـ مثلاً ـ فإنّها إذا وجدت كان لها لوازم، من المكان والزّمان الخاصّين بها، ومن غير ذلك، فعلى القول بتعلّق الأمر بالطّبيعة تكون هذه الخصوصيّات اللاّزمة للوجود خارجةً من تحت الطلب، وعلى القول بتعلّقه بالفرد داخلة تحته… هذا ما ذكره أوّلاً. لكنّه غيّر التعبير فقال: إن الغرض متعلّق بنفس الطبيعة، وإن نفس وجودها السعي ـ بما هو وجودها ـ تمام المطلوب، من دون نظر إلى خصوصيّاتها الخارجيّة وعوارضها العينيّة، وإن كان ذاك الوجود لا يكاد ينفكّ في الخارج عن الخصوصيّة.
والحاصل: تارةً: ننظر إلى الطبيعة بما هي موجودة فنقول: المطلوب في بـ( أَقِمِ الصَّلاةَ )(2) مثلاً هو وجود طبيعة الصّلاة، لا هذا الوجود منها أو ذاك من الوجودات الخاصة، وأُخرى: ننظر إليها مجرّدةً عن لوازم وجودها وأمارات تشخّصها ونقول بأن المطلوب هو وجود الطبيعة، وتلك العوارض واللوازم غير داخلة في الطلب… وعلى كلّ تقدير، فإنّ تمام المطلوب هو الطبيعة ـ لا هذا الفرد أو ذاك ـ تلك الطبيعة التي هي ملزوم اللّوازم والمشخّصات، أمّا هي، فخارجة عن تحت الطلب وإن كانت الطبيعة غير منفكّة عنها.
هذا، وقد أشار بأمره بالفهم إلى أنه لا يمكن أن يكون الأمر طلب الوجود، بل الأمر نفس الطلب، فالوجود خارج من الأمر.
وأمّا دليله على ما ذهب إليه من أن متعلّق الأمر هو الطبيعة، فالوجدان، يعني أنّا لمّا نراجع الوجدان ـ في المرادات التكوينيّة، كإرادتنا للأكل والشرب والضّرب، والتشريعيّة، كإرادتنا صدور تلك الأفعال من الغير ـ نرى أن متعلّق الطلب والإرادة ليس إلاّ وجود الطبيعة ولا دخل للزمان والمكان… غير أنّ الفرق بين الأمر والنّهي هو أنّ متعلّق الطلب في الأولى هو صرف الإيجاد وفي الثاني محض الترك، ولا يخفى وجود الخلاف في حقيقة الأمر والنهي، فقيل: الأمر هو البعث نحو المادّة والنهي هو الزجر عنها… وعلى هذا لا دخل للوجود والعدم في المتعلّق. وقيل ـ وهو مسلك الكفاية ـ أن المدلول في الأمر والنهي ليس إلاّ الطلب، غير أن متعلّقه في طرف الأمر هو الوجود وفي طرف النهى هو الترك والعدم.
أمّا صاحب الفصول والمحقق القمي، فقد استدلاّ للمدّعى بالتبادر، وبأن مادّة المتعلّق ـ مثل الصّلاة ـ ليست إلاّ الصّلاة، والخصوصيّات الزائدة عليها لا دخل لها في المادّة.
فظهر أنّ الأدلّة للمدعى ثلاثة:
1 ـ تبادر الطبيعة إلى الذهن.
2 ـ مادّة متعلّق الأمر.
3 ـ الوجدان.

(1) كفاية الأُصول: 138.
(2) سورة الإسراء: 78.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *