المختار هو الدلالة بالسّيرة

فالمختار
رجوع القضيّة إلى السيرة العقلائيّة.
أمّا الوجوه السابقة، فقد عرفت ما فيها.
وأمّا حكم العقل، فقد عرفت أن هذا المسلك منهم لا يلائم الجمع الدلالي، على أنه أخص من المدّعى، لاختصاصه بأحكام المولى الحقيقي، فهناك يحكم العقل بحق الطاعة، ولكنّ المدّعى هو دلالة المادّة والصيغة على الوجوب في مطلق الصادر من العالي إلى الداني.
وعلى الجملة، فالدليل الصحيح ـ في صيغة الأمر ـ هو السيرة، وعلى المختار، فلا إشكال في الجمع الدلالي، وهذه السيرة ممضاة، وقد ذكرنا النص الدالّ على الإمضاء، ويوجد في الأخبار ما يدل على ذلك أيضاً غيره كالرواية التالية:
عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع».
فقد نزّل العمرة بمنزلة الحج الذي قال الله فيه ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) ولسانه لسان الإيجاب، فتكون العمرة واجبة كذلك، وعلّل الوجوب بقوله: «لأن الله يقول: ( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ )»(1)فكان الإستدلال بصيغة الأمر وهو «أتمّوا».
وسند الرواية معتبر بلا إشكال.
وإذا كانت السّيرة على دلالة الصيغة على الوجوب ممضاة، فهي في دلالة المادّة عليه ممضاة بالأولويّة القطعيّة، وإنْ كانت النصوص مختلفة:
فعن أبي بصير قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الناس أكلوا لحوم دوابّهم يوم خيبر، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بإكفاء قدورهم ونهاهم عنها ولم يحرّمها»(2).
فقد يستظهر من هذه الرواية عدم دلالة مادّة الأمر على الوجوب فتأمّل، والسند صحيح.

وفي المقابل ما يدلّ على كونها للوجوب:
فعن أبي عبدالله عليه السلام قال: «ركعتان بالسّواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أنْ أشقّ على اُمّتي لأمرتهم بالسّواك»(3).
فهي تفيد أن الأمر للوجوب بلا شك، لأنّ السّواك مستحب، ولو أمر لزمت المشقّة على الاُمّة، ومن الواضح أن المشقة في الإيجاب… وفي سند هذا الخبر إشكال من جهة اشتماله على «جعفر بن محمد الأشعري» إلاّ بناء على اعتبار رجال كتاب كامل الزيارات، وعدم الإستثناء من رجال نوادر الحكمة، مضافاً إلى اعتماد الأصحاب عليه.
وهذا تمام الكلام في دلالة مادّة الأمر وصيغته على الوجوب.

(1) وسائل الشيعة 10/234 الباب 1 من أبواب العمرة رقم 8 .
(2) التهذيب 9/41.
(3) الكافي 3/22 باب السواك رقم 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *