الجواب عمّا ذكره المحقق البروجردي

مناقشات الاستاذ مع السيّد البروجردي
وقد تكلّم شيخنا دام بقاه على هذا التقريب بعد توضيحه بوجوه:
أحدها: إن السيد البروجردي ذكر أنّ الطلب المقترن بالمقارنات الشديدة هو الوجوب، وهو كاشف عن الإرادة الشديدة، والمقترن بالمقارنات كاشف عن الإرادة الضعيفة، وغير المقترن بأحدهما طلب متوسّط.
وفيه: إن الطلب إمّا وجوبي وإمّا ندبي، وأمّا المتوسط بينهما ـ غير المتّصف بالوجوب أو الندب ـ فغير قابل للتصوّر، نعم، نفس الإرادة تقبل المراتب كما هو الحال في كلّ أمر تشكيكي، لكن المفروض كون الطلب أمراً إنشائياً، والأمر الإنشائي متّصف بأحد الأمرين ولا يتصوّر برزخ بينهما.
وثانيها: قوله بالتشكيك العرضي في الطلب بعد نفي التشكيك الذاتي عنه.
نقول: ما المراد من التشكيك العرضي والذاتي هنا؟ تارةً يقال: الخصوصيّة الكذائية موجودة في الشيء الفلاني بالذات، أو إنها موجودة فيه لابالذات بل بسبب أمر خارج. واخرى: يكون المراد من العرضي في مقابل الذاتي هو المجاز في مقابل الحقيقة.
إنْ كان مراده: أن الشدّة والضعف وصفان للمقارن للطلب، أما الطلب فيتّصف بهما بالعرض كاتّصاف الجالس في السفينة بالحركة.
فهذا كلام متين، لكن البحث ليس في المجاز، والمقصود إسناد الشدّة والضعف إلى الطلب على نحو الحقيقة.
وإنْ كان مراده: أن الطلب الإنشائي يتّصف حقيقةً بالشدّة والضعف، لكنَّ المقارنات كانت السبب في هذا الإتّصاف، كاتّصاف البياض بالضعف بسبب اختلاطه بالسواد.
فهذا غير صحيح، إذ لا يكون اقتران الطلب بالصّياح مثلا ـ في مثال الشديد سبباً لأنْ يوصف الطلب حقيقةً بالوجوب، ولا يكون اقترانه بالترخيص في الترك مثلا ـ في مثال الضعيف ـ سبباً لأن يتصف الطلب حقيقةً بالضعف والندب… وقياس ذلك باختلاط البياض بالسواد في غير محلّه… لوضوح الفرق بين الإختلاط وفي الموجودات الخارجية، وبين الإقتران وفي الامور الإعتبارية.
وثالثها: قوله في آخر التقريب: بأنّ من عدم الإقتران بالمقارنات الضعيفة ينتزع الوجوب، والعقلاء يرون استحقاق العقاب على المخالفة في ما يكون من هذا القبيل.
وهذا كلامٌ متين قوي، وسنؤكّد عليه.
ورابعها: إنه يقول في نهاية المطلب: إنّ البعث لا يتحقّق بدون الوجوب، وهو في المندوبات إرشاد إلى المصالح، فقوله «صلّ» يقوم مقام التحريك الخارجي والبعث التكويني، وهو ينافي الترخيص في الترك.
وهذا معناه أن الأحكام الشرعيّة منحصرة بالوجوب والحرمة فقط ـ وأن الزجر التنزيهي إرشاد إلى المفاسد، كالأوامر الندبيّة التي هي إرشاد إلى المصالح ـ ولا يُظنّ الإلتزام به من أحد من الفقهاء، وحتى السيّد البروجردي نفسه لا يلتزم به، وإلاّ فكيف يفتي بالإستحباب الشرعي في المستحبات، وبالكراهة الشرعيّة في المكروهات؟
وأيضاً، فهو كلام مخالف لصريح النُصوص في تقسيم الأمر إلى الواجب والمندوب.
والحقيقة هي: دعوى إن التنافي بين البعث والتحريك وبين الترخيص في الترك، صحيحة في التكوينيات، وكلامنا في البعث والطلب الإعتباري، وقياسه على التكويني غير صحيح.
وتلخّص: عدم تماميّة هذا التقريب أيضاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *