الأجوبة عن الاستدلال بالآية و الحديث على أنه للوجوب

الأجوبة عن الاستدلال بالآية والحديث
* أجاب المحقّق الخراساني عن الإستدلال بالآية ونظائرها وبالحديث المزبور:
بأنّ غاية ما يستفاد منها استعمال مادّة الأمر في الوجوب، والاستعمال أعم من الحقيقة.
وأورد الاستاذ دام بقاه: بأن دلالة الآية على ترتب العذاب على مخالفة الأمر ـ بما هو أمر ـ ظاهرة من دون أيّة قرينة أو عناية، ولذا استفاد الشيخ والطبرسي(1) في تفسيريهما، وكذا كبار الاصوليين، دلالة الآية على الوجوب… وهكذا الكلام في الحديث، وكلامنا في دلالة أوامر الكتاب والسنّة.
فإن قلت: فقد ورد أن الأمر منه ما هو فرض ومنه ما هو نفل.
قلت: لكنّ الكلام في ثبوته.
والحاصل: عدم تمامية جواب صاحب (الكفاية).
* وأجاب المحقّق العراقي رحمه الله(2): بأنّ الإستدلال بالآية والرواية موقوف على القول بتقدّم التخصّص في مورد دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص، وهو باطلٌ، لعدم وجود أصل في المقام المزبور يقتضي ذلك. وما قيل من أنّه مقتضى أصالة العموم، ففيه: إن مدرك جريان الأصل المذكور هو السيرة العقلائيّة، وهي هنا منتفية ومفقودة.
وأمّا انطباق تلك الكبرى على ما نحن فيه، فهو من جهة أنّ عدم ترتّب العذاب والفتنة على مخالفة الأمر الندبي، لا يُعلم هل هو من جهة عدم وجود الأمر في مورد الإستحباب فالخروج موضوعي، أو أنه يوجد الأمر لكنّه مخصّص.
قال شيخنا دام بقاه: إنّ هذا الجواب وإنْ كان دقيقاً وقد ارتضاه بعضهم، لكن لا يمكن المساعدة عليه.
فأجاب في الدورة السّابقة بعدم ابتناء الإستدلال بالآية والرواية على القاعدة المذكورة حتى يجاب عنه بما قال، لأنّ وجه الإستدلال هو إن حدود مفاهيم الألفاظ يرجع فيها إلى أهل اللّسان، سواء كانت تلك القاعدة موجودةً أو لا، وقد رأينا أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو أفصح الناس ـ يفيد كلامه أنّ الطلب الندبي غير داخل في مفهوم الأمر. هذا بالنسبة إلى الحديث.
وكذا بالنسبة إلى الآية، فإنّ الله سبحانه قد رتّب على الأمر ـ بما هو أمر شيئاً لا يترتَّب على الطلب الندبي، وهو الفتنة والعذاب الأليم، وبذلك يظهر حدّ المعنى ومفهوم اللّفظ، بغضّ النظر عن القاعدة، ولذا نرى أنّ من الاصوليين من لا يلتفت إلى القاعدة أو يلتفت إليها ولكنّ مبناه أن مقتضى الأصل ليس هو تقدّم التخصّص، ومع ذلك يستدل بالآية والرواية، وهذا من شواهد ما ذكرناه.
وأجاب دام بقاه في الدورة اللاّحقة بما هو أدق فقال:
إنه يعتبر في مورد دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص أنْ يكون قابلا لهما، كخروج زيد عن «أكرم العلماء»، أمّا المورد الذي لا يكون الحكم فيه قابلا للتخصيص، فليس بموضوع لكبرى تلك القاعدة، والآية الكريمة من هذا القبيل، لأنّ ترتّب العذاب بلا استحقاق له محال، كما في قوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا )(3)، واستحقاق العذاب من الأحكام العقليّة، والأحكام العقليّة لا يدور أمرها بين التخصيص والتخصّص، فمورد عدم استحقاق العقاب ـ وهو الأمر الندبيّ ـ خارج خروجاً تخصّصياً، فالكبرى غير منطبقة على الآية المباركة.
* وقد يجاب: بأنّ «الأمر» يقابل «النهي» أي الزجر، وكما أنّ الزجر ينقسم إلى الزجر التنزيهي والزجر التحريمي، فكذلك الأمر ـ بقرينة التقابل ـ ينقسم إلى الوجوبي والندبي.
وفيه: إن انقسام النهي إلى القسمين أوّل الكلام، وعلى فرض التسليم فهل هو تقسيم على الحقيقة أو الأعمّ من الحقيقة والمجاز؟

(1) التبيان في تفسير القرآن 7/466. مجمع البيان في تفسير القرآن 7/208 الأعلمي.
(2) نهاية الأفكار 1/161 ـ 162.
(3) سورة الإسراء: 16.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *