المختار

المختار
واستوجه شيخنا الاستاذ دام بقاه في الدورة السّابقة تصوير السيد البروجردي ، لكنْ بجعله جامعاً بناءً على الأعم ، وهو ظاهر بحثه في الدورة اللاّحقة ، حيث تعرَّض لهذا الرأي في نهاية البحث .
وقد قرّبه في الدورتين ، بأنّه مع كون الجامع هو « التوجّه » أو « الهيئة الخضوعيّة » بناءً على الأعم ، لا يرد شيء ممّا تقدّم من الإشكالات ، لأنها كانت تتوجّه بناءً على الوضع للصحيح ، والتوجّه أمر واحدٌ موجودٌ مع جميع الأفراد ، وسائر الخصوصيّات تكون دخيلة في متعلَّق الطّلب ، وهو ـ أي التوجّه ـ أمر خارجي انتزاعي ، قابل للإنطباق على المتباينات ، فيقوم تارةً بالكيف المسموع واخرى بالوضع ، فالتوجّه والخضوع يحصل بالتكلّم وبالقيام وبالإنحناء ، وهكذا ، وينتزع من كلّ واحد من هذه الامور ، ويتحقق مع كلّ واحد منها ، نظير « الغصب » فإنه يتحقّق بالتصرف في مال الغير من دون إذنه ، بأي شكل من أشكال التصرف الحاصل من المقولات المتباينة .
هذا بالنسبة إلى مقام الثبوت .
وأمّا إثباتاً ، فإن « الصّلاة » في اللّغة إما الدّعاء وإمّا العطف والتوجّه ، وعلى كلا التفسيرين يتم الجامع المذكور ، لأنّ الدعاء يكون بغير اللّفظ أيضاً ، ويشهد للمعنى الثاني مافي بعض الأخبار من أنّ الله تعالى لمّا علم باندراس الدين شرّع الصلاة حفظاً لها من الإندراس و ليتوجّه الناس إليه بها .
ثم إن النسبة بين الأذكار الموجودة في الصّلاة وبين التوجّه ليس النسبة بين المسبب والسبب ، لأن السبب والمسبب موجودان بوجودين لا بوجود واحد ، والحال أن الموجود خارجاً هو الذكر ولا وجود هناك للتوجّه ، فنسبة التوجّه إلى الذكر نسبة الأمر الإنتزاعي إلى منشأ الإنتزاع ، لا نسبة السبب إلى المسبب .
وتلخّص : إنه يمكن تصوير الجامع على الوضع للأعم ، بأنه هو التوجّه والتخشّع والخضوع ، بالتقريب المذكور .
الإشكال عليه
ثم أورد عليه شيخنا ثبوتاً وإثباتاً :
أمّا ثبوتاً ، فلأن التوجّه إذا كان منتزعاً من هذه الأقوال والأفعال المتباينة ومتّحداً معها وجوداً ، استحال أنْ يكون واحداً . هذا أوّلا .
وثانياً : إنّ « التوجّه » يصدق مع الأجزاء القليلة ، وهو مع الركوع غيره مع السجود والقيام والقراءة وهكذا … وبمجرّد تحقّق الأقل يصدق الصّلاة ، فيكون الزائد عليه خارجاً عن حقيقة الموضوع له المسمى .
وقد كان هذا الإشكال وارداً على جميع التصويرات التي اعتبرت الوجود التشكيكي للجامع ، كما تقدّم .
وأمّا إثباتاً : فلأن الصّلاة ـ بحسب النصوص وارتكاز المتشرعة ـ هي نفس الأقوال والأفعال لا العنوان المنتزع منها كالتوجّه . بل في خبر صحيح سئل الإمام عليه السلام عن الفرض في الصّلاة فقال : « الوقت والطهور والقبلة والتوجّه والركوع والسجود والدعاء »(1) فكان التوجّه من فرائض الصّلاة وليس الصّلاة .

(1) وسائل الشيعة 1/365 ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام الباب 1 من أبواب الوضوء ، رقم : 3.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *