الجهة الثّانية ـ في كيفية وضع الحروف

الجهة الثّانية
في كيفية وضع الحروف

وذلك يتفرّع على الأنظار في الجهة الأولى .
فأمّا على مبنى المحقق الخراساني في المعنى الحرفي ، من أنه الطبيعي ، فلاريب في كون الوضع عامّاً والموضوع له عامّاً كذلك .
وأمّا على مبنى المحقّق الإصفهاني ، فالموضوع له عبارة عن الخصوصيّات ، فالموضوع له خاص والوضع عام .
لكنْ يرد عليه : أنّ المنسبق من « في » في « زيد في الدار » هو نفس المعنى المنسبق منه في « الكتاب في المدرسة » فلا مغايرة بين الخصوصيّة في هذه النسبة عن تلك ، حتى يكون الموضوع له نفس الخصوصيّة ، وإنما يكون الفرق بين الجملتين باختلاف الطرفين ، وكذلك الحال في المعنى الاسمي .
فإذن ، ليس الموضوع له في الحروف تلك الخصوصيّة ، بل إنّ تلك الجهة المشتركة بين الموارد هي المعنى الموضوع له ، ولذا يكون الموضوع له عامّاً كالوضع .
ومن هنا ، فإنّ الميرزا ـ مع قوله بإيجاديّة الحروف ، وتقوّمها بالطرفين ، المستلزم لأنْ يكون معنى الحرف في كلّ مرّة من استعماله غير معناه في المرّة الاخرى ـ يذهب إلى أن الموضوع له عام وليس بخاص ، وذلك ، لأنه يرى بأنّ المعنى الحرفي وإن كان متقوّماً بالطرفين ، إلاّ أن هذا التقوّم خارج عن ذات المعنى ، وكذا الطرفان ، وإذا كان التقوّم والطرفان خارجةً عن ذات المعنى لم تبق خصوصيّة في المعنى ، بل إن تلك الوحدة السنخيّة الموجودة في جميع موارد استعمال الحرف هي الموضوع له ذلك الحرف ، فيكون عاماً لا خاصّاً .
والحاكم بما ذكرناه ـ من خروج التقيّد والطرفين عن ذات المعنى ، وإن كان التقوّم بهما ضروريّاً بحسب الوجود ، فيكون المعنى هو القدر المشترك والوحدة السنخيّة ـ هو الإرتكاز ، إذ مفهوم « الظرفيّة » واحد في جميع موارد استعمال «في» وكذا غيره من الحروف ، وعليه ، فيكون الموضوع له عامّاً .
والمحقق العراقي القائل بأن المعنى الحرفي غير مستقل وجوداً ومفهوماً ، يرى أنّ الموضوع له عام .
وكذا المحقق الحائري ، فهو يقول بذلك مع قوله بآليّة المعنى الحرفي .
وهؤلاء الأعلام لم يمكنهم تصوّر أنّ معنى « في » ومدلولها في « زيد في الدار » يختلف عنه في « الكتاب في المدرسة » ، وعليه يكون الموضوع له تلك الجهة المشتركة والوحدة السنخيّة ، وهذا هو الحق ، ومن الواضح أن تلك الوحدة لا تحتاج إلى الطرفين ، وإنما المحتاج إليهما هو الحرف عند تفرّده .
وتلخص :
إن الحروف مداليلها هي النسب ، والواحد بالسنخ والقدر المشترك بينها هو الموضوع له ، فالوضع عام ، والموضوع له عام ، والمستعمل فيه عام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *