(8) ابن حزم الأندلسي

(8) ابن حزم الأندلسي
وقد نصّ الحافظ ابن حزم الأندلسي، المتوفّى سنة 475 على بطلان هذا الحديث وعدم جواز الاحتجاج به… فإنّه قال في رأي الشيخين ما نصّه: «وأمّا الرواية: اقتدوا باللذين من بعدي. فحديث لا يصحّ. لأنّه مرويّ عن مولى لربعيّ مجهول، وعن المفضّل الضبّي وليس بحجّة.
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن الجسور، ثنا أحمد بن الفضل الدينوري، ثنا محمّد بن جرير، ثنا عبدالرحمن بن الأسود الطغاوي، ثنا محمّد بن كثير الملاّئي، ثنا المفضّل الضبّي، عن ضرار بن مرّة، عن عبدالله بن أبي الهذيل العنزي، عن جدّته، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن اُمّ عبد.
وكما حدّثناه أحمد بن قاسم، قال: ثنا أبي قاسم بن محمّد بن قاسم بن أصبغ، قال: حدّثني قاسم بن أصبغ، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا محمّد بن كثير، أنا سفيان الثوري، عن عبدالملك ابن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله…
وأخذناه أيضاً عن بعض أصحابنا، عن القاضي أبي الوليد بن الفرضي، عن ابن الدخيل، عن العقيلي، ثنا محمّد بن إسماعيل، ثنا محمّد بن فضيل، ثنا وكيع، ثنا سالم المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش وأبي عبدالله ـ رجل من أصحاب حذيفة ـ عن حذيفة.قال أبو محمّد: سالم ضعيف. وقد سمّى بعضهم المولى فقال: هلال مولى ربعيّ. وهو مجهول لا يعرف من هو أصلا. ولو صحّ لكان عليهم لا لهم، لأَنَّهم ـ نعني أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي ـ أترك الناس لأَبي بكر وعمر. وقد بيّنا أنّ أصحاب مالك خالفوا أبا بكر ممّا رووا في الموطّأ خاصة في خمسة مواضع، وخالفوا عمر في نحو ثلاثين قضية ممّا رووا في الموطّأ خاصة. وقد ذكرنا أيضاً أنّ عمر وأبا بكر اختلفا، وأنّ اتّباعهما فيما اختلفا فيه متعذّر ممتنع لا يقدر عليه أحد»(1).
وقال في كتاب الفصل:
«قال أبو محمّد: ولو أنّنا نستجيز التدليس ـ والأَمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً ـ لاحتججنا في ذلك بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.
قال أبو محمّد: ولكنّه لم يصحّ، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصحّ»(2).
ترجمته
وأبو محمّد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، حافظ فقيه، ثقة كما وصفوه وله تراجم حسنة في كتبهم، وإن كانوا ينتقدون عليه صراحته وشدّته في عباراته…
قال الحافظ ابن حجر: «الفقيه الحافظ الظاهري، صاحب التصانيف… وكان واسع الحفظ جدّاً، إلاّ أنّه لثقة بحافظته كان يهجم، كالقول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة، فيقع له من ذلك أوهام شنيعة…
قال صاعد بن أحمد الربعي: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس كلّهم لعلوم الإسلام وأشبعهم معرفة، وله مع ذلك توسّع في علم اللسان وحظ من البلاغة ومعرفة بالسِيَر والأنساب…
وقال الحُميدي: كان حافظاً للحديث ]والسنن وفقهها[، مستنبطاً للأَحكام من الكتاب والسُنّة، متفنّناً في علوم جَمّة، عاملا بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ والتدّين وكرم النفس، وكان له في الادب باع واسع…
وقال مؤرّخ الأندلس أبو مروان بن حبّان: كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، وكان لا يخلو في فنونه من غلط، لجرأته في السؤال على كل فنّ»(3).
وراجع: وفيات الأعيان 3/13، نفح الطيب 1/364، العبر في خبر من غبر 3/239.

(1) الإحكام في اُصول الأحكام: 6/809.
(2) الفصل في الأهواء والملل والنحل 3/27.
(3) لسان الميزان 4/239ـ241.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *