موت هارون قبل موسى لايضرّ بالاستدلال

موت هارون قبل موسى لايضرّ بالاستدلال
والمناقشة الثانية كان ملخصها: إنّ الإستخلاف هذا كان في قضية معيّنة، وفي حياة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كما أنّ استخلاف هارون كان في حياة موسى، وقد مات هارون قبل موسى، وإذن، لا دلالة على الإمامة والخلافة بالمعنى المتنازع فيه.
وهذا الإشكال طرحه كثيرون، منهم: ابن حجر العسقلاني والقسطلاني والقاري وغيرهم من كبار المحدّثين، والمتكلّمون أيضاً طرحوه في كتبهم الكلاميّة.
ولكنّها شبهة واضحة الاندفاع، لأنّ الكلام في منازل هارون من موسى ومراتبه، سواء تحقّقت خارجاً أوْلا، وهل من شكٍّ في أنه لو بقي بعده لكان هو الخليفة له دون غيره كما كان في حياته؟ وبعبارة اُخرى: فإنّ الكلام في استحقاق هارون لأن يكون خليفةً لموسى بلافصل، وهذا المعنى ثابت له من الكتاب والسنّة، فهو ثابت لأمير المؤمنين.
ولعلّ الأصل في هذه الشبهة هو القاضي عبدالجبار المعتزلي ـ والأشاعرة عيالٌ عليه ـ إذ قال بأن الحديث لايتناول التقدير الذي لم يكن، فإنّه لا يوصف بأنه منزلة، فأجاب السيّد المرتضى رحمه الله بأنّ ما ذكره يجري مجرى الدعوى.
ثم أبطل كلام القاضي بأنّه لو قال أحدنا: فلان منّي بمنزلة زيد من عمرو في جميع أحواله، وقد علمنا أن زيداً قد بلغ من الاختصاص بعمرو والقرب منه والزلفة عنده إلى حدٍّ لا يسأله معه شيئاً من أحواله إلاّ أجابه إليه وبذله، ثم إنّ المشبّه حاله بحاله لوسأل صاحبه درهماً من ماله لوجب عليه ـ إذا كان قد حكم بأنّ منزلته منه منزلة من ذكرناه ـ أن يبذله له وإنْ لم يكن وقع ممّن شبّه حاله به مثل تلك المسألة. ولم يكن للقائل الذي حكينا قوله أن يمنعه من الدرهم بأن يقول: إني جعلت لك منازل فلان من فلان، وليس من منازله أنه سأله درهماً فأعطاه.(1)
ولمتانة كلام السيّد، فقد ذكره الفخر الرازي ولم يُجِب عنه بشئ، فإنه قال في كتابه (نهاية العقول):
«لايقال: الحديث لايتناول إلاّ المنازل الثابتة دون المقدّرة…
لأنا نقول: استحقاق هارون القيام مقام موسى بعد وفاته منزلة ثابتة في الحال، لأنّ استحقاق الشئ قد يكون حاصلا وإنْ كان المستحقّ متأخّراً».
ثم إنه لو كان موت هارون قبل موسى مسقطاً لدلالة الحديثٌ، فلماذا تمنّى عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص كون هذا الحديث له؟ ولماذا كلّ هذا السّعي وراء ردّ الحديث؟
ولو كان مضرّاً بدلالة الحديث على إمامة الأمير، لسقطت دلالته على ذلك حتى في المرتبة الرّابعة، وهذا خلاف الاتفاق بين الطرفين.

(1) الشافي في الإمامة 3 / 34.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *