حديثٌ في مدح يزيد !!

حديثٌ في مدح يزيد !!
كالحديث في مدح يزيد… ذكره غير واحد منهم، كابن تيميّة والذهبي، وهو حديث غزو القسطنطينيّة:
قال ابن تيميّة مدافعاً عن يزيد: «وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عمر، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: أوّل جيش يغزو القسطنطينيّة مغفور لهم. وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد…»(1).

أقول:
قد قال محقّق «منهاج السُنّة»: «لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن وجدت عن عبادة بن الصامت الحديث في البخاري 4 / 42 ـ كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في قتال الروم ـ ونصّ الحديث: أوّل جيش من أُمّتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أُمّ حرام: قلت يا رسول اللّه! أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم. ثمّ قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: أوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول اللّه؟ قال: لا»(2).
ثمّ الكلام أوّلا: في وجود يزيد في ذلك الجيش، وكونه أميراً عليه.
وثانياً: في شمول الحديث ليزيد على فرض كونه فيه.
ففي حين يذكر الطبري وجود يزيد في الجيش المذكور، وكونه قائداً له(3)، يروي ابن الأثير: إنّ معاوية سيَّر جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتلّ، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول:
ما إن أُبالي بما لاقت جموعهم *** بالفرقدونة من حمّى ومن مومِ
إذا اتّكأت على الأنماط مرتفقاً *** بدير مرّان عندي أُمّ كلثومِ
وأُمّ كلثوم امرأته، وهي ابنة عبداللّه بن عامر.
فبلغ معاوية شعره، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم، ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه، وكان في هذا الجيش ابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيّوب الأنصاري وغيرهم، وعبدالعزيز بن زرارة الكلابي…
ثمّ رجع يزيد والجيش إلى الشام، وقد توفّي أبو أيوب الأنصاري عند القسطنطينيّة، فدفن بالقرب من سورها»(4).
وعلى فرض وجوده فيه، فلا دلالة للحديث على كونه مغفوراً له..
قال المناوي بشرحه ما نصّه: «لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفوراً له لكونه منهم; إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة، ويزيد ليس كذلك، لخروجه بدليل خاصّ.
ويلزم من الجمود على العموم، أنّ من ارتدّ ممّن غزاها مغفور له.
وقد أطلق جمع محقّقون حلّ لعن يزيد به، حتّى قال التفتازاني: الحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت، ممّا تواتر معناه وإنْ كان تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقّف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة اللّه عليه وعلى أنصاره وأعوانه.
قال الزين العراقي: وقوله: (بل في إيمانه)، أي: بل لا يُتوقّف في عدم إيمانه; بقرينة ما قبله وما بعده»(5).
هذا، ومن أعاجيب الأكاذيب ما جاء في «تاريخ دمشق» بترجمة الإمام عليه السلام، من أنّه «وفد على معاوية، وتوجّه غازياً إلى القسطنطينية في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية»(6)!
بل إنّ مثل هذا الكلام الباطل، الذي أرسله ابن عساكر بلا سند، يصلح لأنْ يكون قرينةً أُخرى على كذب أصل الدعوى.

(1) منهاج السُنّة 4 / 571 ـ 572.
(2) منهاج السُنّة 4 / 572، وانظر: صحيح البخاري 4 / 114 ح 135.
(3) تاريخ الطبري 3 / 206 حوادث سنة 49 هـ.
(4) الكامل في التاريخ 3 / 314 و 315 حوادث سنة 49 هـ.
(5) فيض القدير شرح الجامع الصغير 3 / 109 ح 2811.
(6) تاريخ دمشق 14 / 111.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *