شهادة الإمام الحسن بسمّ معاوية

أمّا الإمام الحسن السبط عليه السلام… فلأنّ معاوية قد عاهده على رجوع الأمر إليه من بعده، حتّى إنّ الأحنف بن قيس أيضاً قد ذكّره بذلك(1)… فكان أن صمّم على القضاء عليه، فدسّ إليه السمّ على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس، في قضيّة مفصّلة اتّفق على روايتها رواة الفريقين…
تجد ذلك في سائر كتب أصحابنا، كالكافي والإرشاد ومناقب آل أبي طالب، وغيرها(2).
وقال ابن عبدالبرّ: «قال قتادة وأبو بكر ابن حفص: سمّ الحسن بن علي، سمّته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك…
قال: ذكر أبو زيد عمر بن شبّة وأبو بكر بن أبي خيثمة، قالا: حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدّثنا أبو هلال، عن قتادة، قال: دخل الحسين على الحسن، فقال: يا أخي إنّي سُقيت السمَّ ثلاث مرار، لم أُسْقَ مِثْل هذه المرّة، إنّي لأضَعُ كَبدي.
فقال الحسين: مَنْ سقاك يا أخي؟
قال: ما سؤالك عن هذا؟! أَتريدُ أن تقاتلهم؟! أَكِلُهُم إلى اللّه.
فلمّا مات ورَد البريد بموته على معاوية، فقال: يا عجباً من الحسن، شرب شربةً من عسل بماء رومة، فقضى نحبه.
وأتى ابن عبّاس معاوية، فقال له: يا ابن عبّاس! احتسب الحسن، لا يحزنك اللّه ولا يسوؤك.
فقال: أمّا ما أبقاك اللّه لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني اللّه ولا يسوؤني.
قال: فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضاً وأشياء، وقال: خُذها واقْسِمْها على أهلك.
وقال أبو الفرج الأصبهاني: «ودسّ معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلى يزيد وإلى سعد بن أبي وقّاص سمّاً، فماتا منه في أيّام متقاربة، وكان الذي تولّى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس لمال بذله لها معاوية»(3).
وقال ابن أبي الحديد: «قال أبو الحسن المدائني: وكانت وفاته في سنة تسع وأربعين، وكان مرضه أربعين يوماً، وكانت سنّه سبعاً وأربعين سنة، دسّ إليه معاوية سمّاً على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن وقال لها: إنْ قتلتيه بالسمّ فلك مئة ألف وأُزوّجك يزيد ابني. فلمّا مات وفى لها بالمال ولم يزوّجها من يزيد قال: أخشى أن تصنع بابني كما صنعت بابن رسول اللّه»(4).
وقال البلاذري: «إنّ معاوية دسّ إلى جعدة بنت الأشعث ابن قيس امرأة الحسن، وأرغبها حتّى سمّته»(5).
وقال المسعودي: «وذُكر أنّ امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السمّ، وقد كان معاوية دسّ إليها: إنّك إن احتلت في قتل الحسن وجّهت إليك بمئة ألف درهم وزوّجتك من يزيد; فكان ذلك الذي بعثها على سمّه، فلمّا مات وفى لها معاوية بالمال وأرسل إليها: إنّا نحبّ حياة يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه»(6).
وقال ابن تيميّةفي مقام الدفاع عن معاوية ـ : «والحسن رضي اللّه عنه قد نقل عنه أنّه مات مسموماً، وهذا ممّا يمكن أنْ يعلم، فإنّ موت المسموم لا يخفى، لكن يقال: إنّ امرأته سمّته، ولا ريب أنّه مات بالمدينة ومعاوية بالشام، فغاية ما يظنّ الظانّ أنْ يقال: إنّ معاوية أرسل إليها وأمرها بذلك… فإنْ كان قد وقع شيء من ذلك فهو من باب قتال بعضهم بعضاً…»(7).
وإذا كان ابن تيميّة يشكّك في الحقائق الواقعة، فإنّ بعض المتعصّبين قد صرّح بتكذيب ذلك، فقد قال ابن خلدون: «وما يُنقل من أنّ معاوية دسّ إليه السمّ مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك»(8).
هذا، وقد ذكروا أنّ معاوية لمّا أتاه خبر وفاة الإمام الحسن عليه السلام، أظهر فرحاً وسروراً، حتّى سجد…!
قالوا: «فلمّا أتاه الخبر أظهر فرحاً وسروراً حتّى سجد، وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبداللّه بن عبّاسوكان بالشام يومئذفدخل على معاوية، فلمّا جلس قال معاوية: يا ابن عبّاس، هلك الحسن بن عليّ.
فقال ابن عبّاس: نعم هلك، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، ترجيعاً مكرّراً، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته. أمَا واللّه ما سدّ جسدُه حفرتَك، ولا زاد نقصانُ أجله في عمرَك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أُصبنا به لقد أُصبنا بمن كان خيراً منه، جدّه رسول اللّه، فجبر اللّه مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة…»(9).
***

(1) فقد قال له: إنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً»; انظر: الإمامة والسياسة 1 / 191.
(2) الكافي 1 / 462 باب مولد الحسن عليه السلام ح 3، الإرشاد 2 / 15، مناقب آل أبي طالب 4 / 4748، كشف الغمّة 1 / 584585، الاحتجاج 2 / 7173 ح 159 و 160.
وانظر من كتب الجمهورمثلا ـ : المنتظم 4 / 4849، البداية والنهاية 8 / 35، تاريخ الخميس 2 / 293، العقد الفريد 3 / 351.
(3) مقاتل الطالبيّين: 60.
(4) شرح نهج البلاغة 16 / 11.
(5) أنساب الأشراف 3 / 295.
(6) مروج الذهب 2 / 427.
(7) منهاج السُنّة 4 / 469471.
(8) تاريخ ابن خلدون 2 / 620.
(9) الإمامة والسياسة 1 / 196197، مروج الذهب 2 / 430، العقد الفريد 3 / 351، ربيع الأبرار 4 / 186187 و 209.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *