قتل رشيد الهجري

قتل رشيد الهجري
وقتل زيادُ بن أبيه في الكوفة رشيداً الهجري…
وقد ذكره علماء رجال الحديث في كتبهم وجرحوه، وقد جمع ابن حجر كلماتهم فيه في كتاب «تعجيل المنفعة»(1)، وقد نصّوا على أنّ زياداً بعث إلى رشيد، فقطع لسانه وصلبه على باب دار عمرو بن حريث(2).
قال الكشّي: «حدّثني أبو أحمد ـ ونسخت من خطّه ـ ، حدّثني محمّد بن عبداللّه بن مهران، قال: حدّثني محمّد بن عليّ الصيرفي، عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه الحنّاط، عن وهيب بن حفص الجريري، عن أبي حيّان البجلي، عن قنواء بنت رشيد الهجري، قال: قلت لها: أخبريني ما سمعت من أبيك؟
قالت: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا رشيد! كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيّ بني أُميّة، فقطع يديك ورجليك ولسانك؟
قلت: يا أمير المؤمنين! آخر ذلك إلى الجنّة؟
فقال: يا رشيد! أنت معي في الدنيا والآخرة.
قالت: فواللّه ما ذهبت الأيّام حتّى أرسل إليه عبيداللّه بن زياد الدعيّ، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يبرأ منه; فقال له الدعيّ: فبأيّ ميتة قال لك تموت؟
فقال له: أخبرني خليلي أنّك تدعوني إلى البراءة فلا أبرأ منه، فتقدّمني فتقطع يديّ ورجليّ ولساني.
فقال: واللّه! لأُكذّبنّ قوله فيك.
فقدّموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملتُ أطرافه يديه ورجليه; فقلت: يا أبه! هل تجد ألماً لِما أصابك؟
فقال: لا يا بنيّة! إلاّ كالزحام بين الناس.
فلمّا احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله، فقال: إيتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة!!
فأرسل إليه الحجّام حتّى يقطع لسانه، فمات رحمة اللّه عليه في ليلته.
قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسمّيه «رشيد البلايا»، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا، فكان في حياته إذا لقي الرجل قال له: فلان أنت تموت بميتة كذا! وتُقتل أنت يا فلان بقتلة كذا! فيكون كما يقول رشيد.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنت رشيد البلايا; أي تقتل بهذه القتلة، فكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام»(3).
وروى في «إعلام الورى»، عن مجاهد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد إذ أُتي برشيد الهجري فقال له: ما قال لك صاحبك ـ يعني عليّاً عليه السلام ـ إنّا فاعلون بك؟
قال: تقطعون يدَيّ ورجلَيّ وتصلبونني.
فقال زياد: أمَا واللّه لأُكذّبنّ حديثه! خلّوا سبيله!
فلمّا أراد أن يخرج، قال زياد: واللّه ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه! اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه!
فقال رشيد: هيهات! قد بقي لكم عندي شيء أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام به.
قال ابن زياد: اقطعوا لسانه!
فقال له رشيد: الآن واللّه جاء تصديق خبر أمير المؤمنين عليه السلام(4).
أقول:
الأصل في نقل الخبر الأخير المفيد في إرشاده(5); رواه عن ابن عيّاش، عن مجاهد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد إذ أُتي برشيد الهجري…
ثمّ قال: وهذا الخبر نقله المؤالف والمخالف عن ثقاتهم عمّن سمّيناه، واشتهر أمره عند علماء الجميع.
وروى ابن أبي الحديد، قال: «قال إبراهيم: وحدّثني إبراهيم بن العبّاس النهدي، حدّثني مبارك البجلي، عن أبي بكر ابن عيّاش، قال: حدّثني المجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد، وقد أُتي برشيد الهجري، وكان من خواصّ أصحاب عليّ عليه السلام، فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنّا فاعلون بك؟
قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني.
فقال زياد: أمَا واللّه لأُكذِّبَنَّ حديثه، خلّوا سبيله!
فلمّا أراد أن يخرج قال: ردّوه! لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت; اقطعوا يديه ورجليه.
فقطعوا يديه ورجليه، وهو يتكلّم.
فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه.
فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه.
فقال زياد: اقطعوا لسانه!
فلمّا أخرجوا لسانه ليقطع، قال: نفّسوا عنّي أتكلّم كلمة واحدة.
فنفّسوا عنه، فقال: هذا واللّه تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني بقطع لساني.
فقطعوا لسانه وصلبوه(6).
هذا، وقد جرى الكلام بين العلماء في كونه من الصحابة أو لا؟
فعن جماعة ـ كابن إسحاق والواقدي وابن عبدالبرّ ـ أنّه من الصحابة، وأنّه أبو عقبة رشيد الفارسي، مولى جبير بن عتيك، روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وشهد معه أُحداً(7)… وعن جماعة آخرين إنكار ذلك والقول بالتعدّد(8).
وقد جرّبناهم أكثر من مرّة، أنّهم ينكرون صحابيّة الرجل تخفيفاً للجريمة الواقعة عليه من الحكّام الظالمين; واللّه العالم.

(1) تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمّة الأربعة: 160 رقم 318.
(2) الأنساب ـ للسمعاني ـ 5 / 627 «الهجري»، تاريخ دمشق 19 / 200، ميزان الاعتدال 3 / 79 ـ 80 رقم 2787، لسان الميزان 2 / 461 رقم 1859.
(3) رجال الكشّي 1 / 290 ـ 291 ح 131، وانظر: الاختصاص ـ للمفيد ـ : 77.
(4) إعلام الورى 1 / 343.
(5) الإرشاد 1 / 324 ـ 326.
(6) شرح نهج البلاغة 2 / 294.
(7) انظر: الاستيعاب 2 / 496 رقم 771، أُسد الغابة 2 / 70 رقم 1678، الإصابة 2 / 485 ـ 486 رقم 2657.
(8) انظر: معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ 2 / 1119 رقم 983.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *