5 ـ قبولها

5 ـ قبولها
أجمع العلماء على أنّ التّوبة متى استجمعت شرائطها المقرّرة، كانت مقبولةً عند اللّه عزّوجلّ… .
وقد دلّت في ذلك آيات القرآن الكريم، والرّوايات الشّريفة، وإليك بعضها:
1 ـ قال اللّه تعالى: (إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ)(1).
2 ـ وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحيمٌ)(2).
3 ـ وقال تعالى: (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ)(3).
4 ـ وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ)(4).
5 ـ وقال تعالى: (وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدى)(5).
6 ـ وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَحيمًا)(6).
7 ـ وقال تعالى: (وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّابًا)(7).
8 ـ وقال تعالى في مواضع: (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ)(8).
9 ـ وقال تعالى: (وَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللّهَ تَوّابٌ حَكيمٌ)(9).
10 ـ وقال تعالى: (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ)(10).
11 ـ وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(11).
12 ـ وقال تعالى: (قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ)(12).
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «لو عملتم الخطايا حتّى تبلغ السّماء، ثمّ ندمتم، لتاب اللّه عليكم»(13).
وقال صلّى اللّه عليه وآله: «كفّارة الذّنب، النّدامة»(14).
وقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا شفيع أنجح من التّوبة»(15).
وقال عليه السّلام في كلام له: «من أعطى التّوبة لم يحرم القبول»(16).
وقال عليه السّلام: «ما كان اللّه ليفتح على عبد باب الشّكر، ويغلق عنه باب الزّيادة، ولا ليفتح على عبد باب(17) الدّعاء، ويغلق عنه باب الإجابة، ولا ليفتح على عبد(18) باب التّوبة، ويغلق عنه باب المغفرة(19).
وقال الإمام الباقر عليه السّلام لمحمّد بن مسلم رحمه اللّه: «ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف من التّوبة والمغفرة، أما واللّه إنّها ليست إلاّ لأهل الإيمان.
فقال له: فإن عاد بعد التّوبة والإستغفار من الذّنوب، وعاد في التّوبة؟
فقال: يا محمّد بن مسلم، أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب، ثمّ لا يقبل اللّه توبته؟
قال:فإنّه فعل ذلك مراراً، يذنب ثمّ يتوب ويستغفر اللّه.
فقال: كلّما عاد المؤمن بالإستغفار والتّوبة عاد اللّه عليه بالمغفرة وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التّوبة ويعفو عن السّيئات، فإياّك أن تقنّط المؤمن من رحمة اللّه»(20).
وقال عليه السّلام: «التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذّنب وهو يستغفر منه كالمستهزئ»(21).
وقال الصّادق عليه السّلام: في قوله تعالى: «(فَإِنَّهُ كانَ لِْلأَوّابينَ غَفُورًا)، هم التّوابون المتعبّدون(22).
وقال عليه السّلام: «شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأمّا التّائبون فإنّ اللّه تعالى يقول: (ما عَلَى الْمُحْسِنينَ مِنْ سَبيل)(23).
وقال معاوية بن وهب، سمعت أبا عبداللّه عليه السّلام يقول: «إذا تاب العبد المؤمن توبةً نصوحاً أحبّه اللّه، فستر عليه في الدّنيا والآخرة. قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذّنوب، وأوحى إلى جوارحه: أكتمي عليه ذنوبه، وأوحى إلى بقاع الأرض: أكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذّنوب، فيلقى اللّه حين يلقاه، وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذّنوب»(24).
هذا، وقد دلّت الآيات الكريمة، والرّوايات المتكثّرة على سقوط العقاب بالتّوبة فاللّه سبحانه وتعالى لا يعاقب المذنب على ذنبه إذا تاب منه توبة فيها جميع شرائط التّوبة، لأنّه حينئذ ليس بعاص ومذنب، بل بالتّوبة يخرج عن كونه مذنباً، وذلك للطفه الشّامل، وعطفه العامّ، ورحمته الواسعة عندنا، كما سيأتي.
وهذا ـ أعني سقوط العقاب عنه بالتّوبة ـ ممّا أجمع عليه كافّة المسلمين.
واختلف المسلمون في أنّه: إذا تاب المذنب عن ذنبه، هل يجب على اللّه عزّوجلّ قبول توبته، وإسقاط العقاب عنه، وجوباً بحيث يكون عقابه له بعد التّوبة ظلماً له، أو أنّ إسقاط العقاب عنه بالتّوبة تفضّل منه سبحانه ولطف وكرم؟!
قال الشّيخ الطّبرسيّ رحمه اللّه: وقبول التّوبة، وإسقاط العقاب عندها تفضّل من اللّه تعالى غير واجب عليه عندنا. وعند جميع المعتزلة واجب وقد وعداللّه تعالى بذلكـوإن كان تفضّلاً ـ وعلمنا أنّه لا يخلف الميعاد(25).
وقد صرّح رحمه اللّه في موضع آخر بأنّ القول: بأنّه تفضّل، مذهب أصحابنا(26).
وقال الشّيخ قدّس سرّه: والتّوبة يجب قبولها لأنّها طاعة، فأمّا إسقاط العقاب عنده فتفضّل منه تعالى، وقالت المعتزلة ومن وافقها: وذلك واجب، وقد بيّنا الصّحيح من ذلك في شرح الجمل(27).
وعن العلاّمة رحمه اللّه: إنّه اختاره في جملة من كتبه الكلامية.
وقال الشّيخ البهائي رحمه اللّه بعد أن ذكر أنّ القول بالتّفضّل هو رأي الشّيخ والعلاّمة رحمهما اللّه: ومختار الشّيخين هو الظّاهر، ودليل الوجوب مدخول(28).
وقال الشّيخ المجلسي رحمه اللّه: أنّه هو الظّاهر من الأخبار، وأدعية الصّحيفة الكاملة وغيرها،… ودليل الوجوب ضعيف مدخول كما لا يخفى على من تأمّل فيه(29).
ومثله قال السّيد المحدّث الجزائرى(30).
وهذا هو الّذى اختاره السّيد الطّباطبائي مستفيداً إياه من آيات القرآن العظيم(31).
وهو ظاهر شارح الصّحيفة(32).
وإلى هذا القول ذهب جمهور الأشاعرة.
وأمّا المحقّق الطّوسي رحمه اللّه فقد توقّف في المسألة في التّجريد.
وقد أشار العلاّمة رحمه اللّه إلى أدلّة الطّرفين في شرح التّجريد(33).

(1) سورة التّوبة، الآية: 104 و 118.
(2) سورة الحجرات، الآية: 12.
(3) سورة الغافر، الآية: 3.
(4) سورة الشّورى، الآية: 25.
(5) سورة طه، الآية: 82 .
(6) سورة الّنساء، الآية: 110.
(7) سورة النّصر، الآية: 3.
(8) سورة البقرة، الآية: 173 و 182 و 199 وسورة المائدة، الآية: 34 و 39 وسورة التوبة، الآية: 5 و 102 وسورة النّور، الآية: 62 وسورة الممتحنة، الآية: 12 وسورة المزّمل، الآية: 20.
(9) سورة النّور، الآية: 10.
(10) سورة الزّمر، الآية: 53.
(11) سورة النّساء، الآية: 48.
(12) سورة الأنفال، الآية: 38.
(13) جامع السّّعادات 3 / 52.
(14) نفس المصدر السّابق، و مسند أحمد 1 / 289، ومجمع الزّوائد 10 / 199، والمعجم الكبير 12 / 134.
(15) نهج البلاغة 4 / 87 ، والكافي 8 / 19، وأمالي الصّدوق: 399، ووسائل الشيعة 15 / 334، الرّقم 6، والبحار 6 / 19، الرّقم 6 نقلاً عن الأمالي، و 66 / 411، الرّقم 128 نقلاً عن الّنهج.
(16) نهج البلاغة: 33 من خطبه عليه السّلام، والبحار 6 / 37، الرّقم 61 عنه.
(17) لم يرد في النهّج لفظ باب.
(18) في النّهج: لعبد بدل: على عبد.
(19) نهج البلاغة 4 / 102، الرّقم 435، والبحار 6 / 36، الرّقم 58.
(20) الكافي 2 / 434، الرّقم 6، ووسائل الشّيعة 16 / 79، الرّقم 1، والبحار 6 / 40، الرّقم 71 نقلاً عنه.
(21) الكافي 2 / 435، الرّقم 10، والبحار 6 / 41، الرّقم 75 عنه، ووسائل الشّيعة 16 / 74، الرّقم 8 .
(22) تفسير العياشي 2 / 286، الرّقم 42، والبحار 6 / 34، الرّقم 47 عنه.
(23) من لا يحضره الفقيه 3 / 574، الرّقم 4964، ووسائل الشّيعة 15 / 334، الرّقم 5.
(24) الكافي 2 / 431، الرّقم 1، وثواب الأعمال: 171، ووسائل الشّيعة 16 / 71، الرّقم 1، والبحار 6 / 28، الرّقم 31، و 7 / 317، الرّقم 12.
(25) مجمع البيان 1 / 176.
(26) مجمع البيان 1 / 448 هكذا: أنّ إسقاط العقاب عند التّوبة تفضّل من اللّه سبحانه ورحمة من جهته على ما قاله أصحابنا.
(27) التّبيان 1 / 170، والإقتصاد 124 ـ 125.
(28) الأربعين: 222.
(29) البحار 6 / 48.
(30) الأنوار النّعمانية 3 / 147.
(31) الميزان في تفسير القرآن 17 / 311.
(32) رياض السّالكين في شرح صحيفة سيد السّاجدين للسّيد علي بن معصوم المدني الشّيرازي: 477.
(33) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 573.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *