(1) دلالة الحديث على ولاية علي

(1)
دلالة الحديث على ولاية علي

إنّ قوله صلّى اللّه عليه وآله في علي: «وهو وليّكم من بعدي» يدلّ على ثبوت الأولويّة بالتصرف لعلي عليه السّلام، وهذه الأولوية مستلزمة للامامة والخلافة من بعده، وذلك:
أوّلاً: لأنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حصر الولاية في علي عندما قال: «وهو وليّكم من بعدي»، ومن المعلوم أنّ المعاني الاُخرى للفظ الولاية، كالنصرة والمحبّة وغيرهما، ليست بأمور مختصّة بعلي عليه السّلام.
ثانياً: لوجود كلمة «بعدي» في ألفاظ الحديث كلّها أو أكثرها، فكلمة «بعدي» صريحة في هذا المعنى، لأنّ البعديّة هذه إمّا زمانية أو رتبيّة:
ربّما يستظهر بالدرجة الاُولى أن تكون البعديّة رتبيّة، «علي وليّكم بعدي» أي غيري، أي ما عداي في مرتبة الولاية عليكم علي وليّكم.
أمّا إذا كانت كلمة «بعدي» بمعنى الزمان والظرف، فقوله: علي وليّكم من بعدي، يدلّ على أنّ أمير المؤمنين وليّ المؤمنين بعد رسول اللّه بلا فصل. ويشهد بظهور الكلمة في هذا المعنى أنّ بعض الرواة المخالفين لعلي قد حرّف لفظ الحديث إذْ أسقط كلمة «بعدي» كما سنعلم!
ثالثاً: هذه الرواية واردة بألفاظ أُخرى أيضاً، وتلك الألفاظ هي الاُخرى تدلّ على إمامة أمير المؤمنين وأولويته.
فمثلاً: في المسند(1) لابن حنبل، والمستدرك(2)، وتاريخ دمشق(3)، وغيرها من الكتب(4)، كلّهم يروون عن بريدة في نفس هذه القصة يقول:
«فلمّا قدمت على رسول اللّه ذكرت عليّاً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول اللّه يتغيّر، فقال: «يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه».
هذا الكلام الذي قاله قبل سنين في قصّة المؤاخاة، وسيقوله في غدير خم على رؤس الأشهاد ويأخذ منهم العهد والميثاق عليه.
وفي المسند وغيره من المصادر التي ذكرتها، وفي تاريخ دمشق أيضاً بطرق عديدة، يقول رسول اللّه بعد تلك العبارات: «يا بريدة، من كنت وليّه فعليّ وليّه»(5).
رابعاً: هناك في ألفاظ هذه القصة مناقب أُخرى لأمير المؤمنين، تختصّ به ولا يشاركه فيها غيره من الصحابة. فمثلاً، يقول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في هذه القضيّة:
«ما بال أقوام ينتقصون عليّاً؟ من ينتقص عليّاً فقد تنقّصني، ومن فارق عليّاً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذريّة بعضها من بعض واللّه سميع عليم»(6).
فهذه الجمل كلّ واحدة منها منقبة جاءت في نفس هذه القصة، مضافاً إلى قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنّه لا يفعل إلاّ ما يؤمر به»، وغير ذلك من ألفاظ هذا الحديث، كما قرأنا.
خامساً: ابن عباس يذكر كلام رسول اللّه في جواب القوم في هذه القصّة، ضمن فضائل لأمير المؤمنين يصرّح بأنّها خاصة بعلي، وحديث عبداللّه بن عباس موجود في مسند الطيالسي، في مسند أحمد، في المستدرك للحاكم، وفي غيرها من الكتب، بسند ينصّون على صحته كما لا يخفى على من يراجع المصادر القديمة المعتمدة(7).
سادساً: إن قوله صلّى اللّه عليه وآله: «وهو وليّكم من بعدي» من جملة ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في بدء الدعوة المحمّدية، في حديث الإنذار، حيث قال للحاضرين ـ : «من يبايعني على أنْ يكون أخي وصاحبي ووليّكم بعدي».
إذن، فما صرّح به نصّ في الأولويّة، خاصةً بالنظر إلى القرائن الموجودة في داخل وخارج الحديث.
وحتّى الآن فهمنا كيف يكون الحديث دالاًّ على الأولويّة المطلقة المستلزمة عند الكلّ للإمامة والخلافة الكبرى بعد النّبي الأكرم.
وفي هذه القصة فوائد كثيرة اخرى، ينبغي للباحث أنْ يدقّق النظر فيها.

(1) مسند أحمد 5 / 347.
(2) مستدرك الحاكم 3 / 110.
(3) تاريخ مدينة دمشق 42 / 187.
(4) المصنف لابن أبي شيبة 7 / 5067 الآحاد والمثاني للضحاك 4 / 325، حديث 2357، السنن الكبرى 5 / 45.
(5) تاريخ مدينة دمشق 42 / 188 و 192 و 193 ـ 194.
(6) المعجم الأوسط 6 / 163.
(7) أنظر: الاستيعاب 3 / 1092، تهذيب الكمال 20 / 481، القول الجليّ: 60، كنز العمّال 11 / 608.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *