«الدكتور» و كتاب «المراجعات»

«الدكتور» و كتاب «المراجعات»:
لكنّ «الدكتور» له غيظ شديد من كتاب «المراجعات»!! ومنزعج من سعيه جادّاً للدخول إلى كلّ بيت على حدّ تعبيره!!
يقول:
«وفي عصرنا أيضاً نجد كتاباً يسعى جادّاً للدخول إلى كلّ بيت، رأيت طبعته العشرين في عام 1402 هـ، ويوزّع على سبيل الهديّة في الغالب الأعم، واسم الكتاب (المراجعات). ذكر مؤلّفه شرف الدين الموسوي هذا الحديث بالمتن الذي بيّنا ضعف أسانيده وقال بأنه حديث متواتر. ثم نسب للشيخ سليم البشري ـ رحمه اللّه ـ شيخ الأزهر والمالكية: أنه تلقى هذا القول بالقبول، وأنّه طلب المزيد. ثم ذكر صاحب المراجعات بعد ذلك روايات أشد ضعفاً، ونسب للشّيخ البشري أيضاً أنه أعجب بها، ورآها حججاً ملزمة…».
أقول:
أوّلا: إن (السيّد شرف الدين العاملي) من كبار علماء الطائفة الشّيعية، لكنّك ترى «الدكتور» حيث يذكره يقول: «مؤلّفه شرف الدين الموسوي» في حين يذكر الشيخ البشري باحترام مترحّماً عليه، ويذكر الشيخ الألباني بـ«العلاّمة المحقّق الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه اللّه» و«الشّيخ الجليل» مرةً بعد أخرى… .
فإن كان يجهل بمنزلة السيّد شرف الدين وجب عليه أن يسأل! لكنّ نسبة «الدكتور» إلى الجهل حمل على الصحّة، فالسيّد شرف الدين أعرف وأشهر وأجلّ… يقول الاستاذ عمر رضا كحّالة: «عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي: عالم، فقيه، مجتهد، ولد بالمشهد الكاظمي مستهل جمادى الآخرة، وأخذ عن طائفة من علماء العراق، وقدم لبنان، ورحل إلى الحجاز ومصر و دمشق وإيران، وعاد إلى لبنان فكان مرجع الطائفة الشيعيّة، وأسس الكليّة الجعفرية بصور، وتوفي ببيروت في 8 جمادى الآخرة (سنة 1377) ونقل جثمانه إلى العراق فدفن بالنجف.
من آثاره: المراجعات. وهي أسألة وجّهها سليم البشري إلى المترجم فأجاب عليها. أبو هريرة. الشيعة والمنار. إلى المجمع العلمي العربي بدمشق. والفصل المهمة في تأليف الأمة»(1).
وثانياً: إنّ كتاب (المراجعات) من أجلّ الكتب المؤلّفة في مسألة الإمامة في العصور المتأخّرة، أهداه مؤلّفه «إلى أولي الألباب من كلّ علاّمة محقق، وبحّاثة مدقّق، لابس الحياة العلميّة فمحّص حقائقها. ومن كلّ حافظ محدّث جهبذ حجّة في السنن والآثار، وكلّ فيلسوف متضلّع في علم الكلام، وكلّ شاب حي مثقّف حرّ قد تحلّل من القيود وتملّص من الأغلال، ممن نؤملّهم للحياة الجديدة الحرّة».
إنّه كتاب يحتوي على أسألة الشيخ البشري، يستوضحه فيها من آراء الإماميّة وعقائدهم، وعلى أجوبة السيد شرف الدين عن تلك الأسئلة، بالاستناد إلى كتب أهل السنّة في الحديث والرجال والتاريخ وغيرها… .
لقد أصبح كتاب (المراجعات) منذ انتشاره من أهم المصادر والمراجع المعتمدة في البحوث العلميّة، وعاد كثير من الناس ببركة أساليبه الرصينة وبراهينه المتينة إلى الرشد والصواب والطريق الحق والصّراط المستقيم.
وثالثاً: إنّ (الشيخ سليم البشري) لمّا كان عالماً منصفاً يريد الإصلاح بين المسلمين، مضطر إلى الإذعان بصحة حديث الثقلين وغيره، وكذلك يكون كلّ فرد طالب للحق، داع إلى الخير.. فلو لم يتلقّ (الشيخ) ما قاله (السيّد) بالاستناد إلى الكتب المعتمدة لدى (الشيخ) وطائفته… لُتعُّجب منه… كما تعجّب كبار الحفّاظ كالسّخاوي والسمهودي وابن حجر المكي وغيرهم من إيراد ابن الجوزي الحديث في (العلل المتناهية)!
رابعاً: إنّ (حديث الثقلين) أوّل الأحاديث المطروحة في هذه (المراجعات)، وهو لم يخرجه إلاّ عن: أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، والحاكم، وأبي يعلى، وابن سعد، والطبراني، والسيوطي، وابن حجر المكي، والمتّقي الهندي… .
تنبيه:
قد تعرّض «الدكتور» في هامش هذا الموضع من كتابه لثلاثة أحاديث أوردها صاحب (المراجعات) عن كتب القوم، رواها أئمتهم كالحافظ المطيّن، والباوردي، وابن جرير الطبري، وابن شاهين، وابن مندة، وأبي نعيم، والحاكم، والطبراني، والسيوطي، والمتقي الهندي… وغيرهم… فنقل «الدكتور» عن الشيخ الألباني أنّ هذه الأحاديث الثلاثة موضوعة… .
ونقول:
أوّلا: ما الدليل على تقدّم قول الألباني على قول مثل الحاكم حيث ينصّ على صحّة حديث على شرط الشيخين؟
وثانياً: إنّ تكذيب هذه الأحاديث وأمثالها إنّما هو طعن في رواة القوم وعلمائهم وكتبهم، لأنّ هؤلاء الرواة والمحدّثين إن كانوا يعتقدون بصحّة هذه الأحاديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فهي أحاديث متفق عليها بين المسلمين، وإن كانوا يعتقدون بكذبها واختلاقها عليه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لزم أن يكونوا أيضاً كاذبين، لأنّ ناقل الكذب كاذب، وإن كانوا يروونها جاهلين بأحوالها، ثم جاء الشّيخ الألباني فكان أعلم منهم فيما رووه، فهذا ما لا أظنّ الألباني يدّعيه، ولا «الدكتور» يصدّقه!!
وثالثاً: إن غرض الشيعي من نقل هذه الأحاديث هو إلزام رواتها بها، وكذا إلزام من يمجّد بأولئك الرواة ويثني على كتبهم بالألقاب الضخمة!!
ورابعاً: الإعتراض على السيد شرف الدين بأنّه «حكى تصحيح الحاكم للحديث دون أن يتبعه بيان علّته، أو على الأقل دون أن ينقل كلام الذهبي في نقده» مردود بوجوه:
الأوّل: إن الغرض هو الاحتجاج بكتب أهل السنّة ورواياتهم!
والثاني: إنّ الحديث لو كان له علة، لبيّنها الحاكم نفسه، كما بيّن ـ حسب رأيه ـ في غير موضع.
والثالث: كيف يطلب نقل كلام الذهبي في نقده من لا ينقل تصحيح الذهبي حديث الثقلين تبعاً للحاكم؟!

(1) معجم المؤلفين 5 / 87.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *