1 ـ القرابة النسبية و الإمامة

الفصل الخامس
دلالة الآية على الإمامة والولاية
وكيف كان… فالآية المباركة تدلُّ على إمامة أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من وجوه:

1 ـ القرابة النسبية و الإمامة:
إنّه إن لم يكن للقرابة النسبية دخل وأثر في الإمامة والخلافة، فلا ريب في تقدم أمير المؤمنين عليه السلام، إذ كلّما يكون وجهاً لاستحقاقها فهو موجود فيه على النحو الأتمّ الأكمل الأفضل… لكنّ لها دخلا وأثراً كما سنرى…
ولقد أجاد السيّد ابن طاووس الحلّي حيث قال ـ ردّاً على الجاحظ في رسالته العثمانية ـ ما نصّه:
«قال: وزعمت العثمانية: إنّ أحداً لا ينال الرئاسة في الدين بغير الدين.
وتعلّق في ذلك بكلام بسيط عريض يملأ كتابه ويكثر خطابه، بألفاظ منضّدة، وحروف مسدّدة كانت أو غير مسدّدة. بيان ذلك:
إنَّ الإمامية لا تذهب إلى أنّ استحقاق الرئاسة بالنسب، فسقط جميع ما أسهب فيه الساقط، ولكنّ الإمامية تقول: إن كان النسب وجه الاستحقاق فبنو هاشم أولى به، ثمّ عليّ أولاهم به، وإن يكن بالسبب فعلي أَولى به إذ كان صهر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإن يكن بالتربية فعلي أَولى به، وإن يكن بالولادة من سيّدة النساء فعلي أَولى به، وإن يكن بالهجرة فعليّ مسبّبها بمبيته على الفراش، فكلّ مهاجريّ بعد مبيته في ضيافته عدا رسول الله، إذ الجميع في مقام عبيده وخوله، وإن يكن بالجهاد فعليّ أَولى به، وإن يكن بحفظ الكتاب فعليّ أَولى به، وإن يكن بتفسيره فعليّ أَولى به على ما أسلفت، وإن يكن بالعلم فعليّ أولى به، وإن يكن بالخطابة فعليّ أَولى به، وإن يكن بالشعر فعليّ أَولى به. قال الصولي فيما رواه: كان أبو بكر شاعراً وعمر شاعراً وعليّ أشعرهم. وإن يكن بفتح أبواب المباحث الكلامية فعليّ أَولى به، وإن يكن بحسن الخلق فعليّ أَولى به، إذ عمر شاهد به، وإن يكن بالصدقات فعلي ـ على ما سلف ـ أَولى به، وإن يكن بالقوّة البدنية فعليّ أَولى به، بيانه: باب خيبر، وإن يكن بالزهد فعليّ أَولى به في تقشّفه وبكائه وخشوعه وفنون أسبابه وتقدّم إيمانه، وإن يكن بما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله في فضله فعليّ أَولى به، بيانه: ما رواه ابن حنبل وغيره على ما سلف، وإن يكن بالقوّة الواعية فعليّ أَولى به، بيانه: قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: «إن الله أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك وأن أُعلّمك وتعي، وحقّ على الله أن تعي»، وإن يكن بالرأي والحكم فعليّ أَولى به، بيانه: شهادة رسول الله صلّى الله عليه وآله له على ما مضى بالحكمة، وغير ذلك ممّا نبّهنا عليه فيما مضى.
وإذا تقرّر هذا، بان معنى التعلّق لمن يذكر النسب إذا ذكره، ولهذا تعجّب أمير المؤمنين عليه السلام حيث يُستولى على الخلافة بالصحابة ولا يُستولى عليها بالقرابة والصحابة.
ثمّ إنّي أقول: إنّ أبا عثمان أخطأ في قوله: «إنّ أحداً لا ينال الرئاسة في الدين بغير الدين».
بيانه: أنه لو تخلّى صاحب الدين من السداد ما كان أهلا للرئاسة، وهو منع أن ينالها أحد إلاّ بالدين، والاستثناء من النفي إثبات حاصر في غير ذلك من صفات ذكرتها في كتابي المسمى «بالآداب الحكمية» متكّثرة جدّاً، ومنها ما هو ضروري، ومنها ما هو دون ذلك.
ومن بغي عدوّ الإسلام أن يأتي متلفّظاً بما تلفّظ به، وأمير المؤمنين عليه السلام الخصم، وتيجان شرفه المصادمة، ومجد سؤدده المدفوع، إذ هو صاحب الدين، وبه قام عموده، ورست قواعده، وبه نهض قاعده، وأفرغت على جِيد الإسلام قلائده.
وأقول بعد هذا: إنّ للنسب أثراً في الرئاسة قويّاً.
بيانه: أنّه إذا تقدّم على أرباب الشرف النسبي من لا يدانيهم، وقادهم من لا يقاربهم ولا يضاهيهم، كانوا بالأخلق عنه نافرين انفين، بل إذا تقدّم على أهل الرئيس الفائت غير عصبته، وقادهم غير القريب الأدنى من لحمته، كانوا بالأخلق عنه حائدين متباعدين، وله قالين، وذلك مظنّة الفساد في الدين والدنيا، وقد ينخرم هذا اتّفاقاً، لكنّ المناط الظاهر هو ما إليه أشرت وعليه عوّلت.
وأقول: إن القرآن المجيد لمّا تضمّن العناية بالأقربين من ذرّيّة رسول الله صلّى الله عليهم ومواددتهم، كان ذلك مادّة تقديمهم مع الأهلية التي لا يرجح غيرهم عليهم فيها، فكيف إذا كان المتقدّم عليهم لا يناسبهم فيها ولا يدانيها؟!
قال الثعلبي بعد قوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) بعد أن حكى شيئاً ثمّ قال: فأخبرني الحسين بن محمّد، ]قال:[ حدّثنا برهان بن علي الصوفي ]قال:[ حدّثنا حرب بن الحسن الطحّان، ]قال:[ حدّثنا حسين الأشقر، عن قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الّذين أوجبت علينا مودّتهم؟ قال:عليّ وفاطمة وابناهما.
وروى فنوناً جمّة غير هذا من البواعث على محبّة أهل البيت، فقال: أخبرنا أبو حسّان المزكي، ]قال:[ أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن إسحاق، ]قال:[ حدّثنا الحسن بن علي بن زياد السري، ]قال:[ حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، ]قال:[ حدّثنا حسين الأشقر، ]قال:[ حدّثنا قيس ]قال:[ حدّثنا الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)فقالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الّذين أمرنا الله بمودّتهم؟ قال: عليّ وفاطمة ووُلدهما.
وقال: أخبرنا أبو بكر بن الحرث، ]قال:[ حدّثنا أبو السبح، ]قال:[ حدّثنا عبدالله بن محمّد بن زكريّا، ]قال:[ أخبرنا إسماعيل بن يزيد، ]قال:[ حدّثنا قتيبة بن مهران، ]قال:[ حدّثنا عبد الغفور أبو الصباح، عن أبي هاشم الرمّاني، عن زاذان، عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: فينا في آل حم، إنّه لا يحفظ مودّتنا إلاّ كلّ مؤمن، ثمّ قرأ (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
وقال الكلبي: قل لا أسألكم على الإيمان جعلا إلاّ أن توادّوا قرابتي، وقد رأيت أن أذكر شيئاً من الآي الذي يحسن أن تتحدّث عنده»(1).
أقول:
لا ريب في أنّ للنَسَب والقرب النَسَبي تأثيراً، وأنّ للعناية الإلهيّة بـ «القربى» ـ أي: بعليٍّ والزهراء بضعة النبيّ وولديهما ـ حكمة، وفي السُنّة النبويّة على ذلك شواهد وأدلّة نشير إلى بعضها بإيجاز:
وأخرج مسلم والترمذي وابن سعد وغيرهم عن واثلة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله عزّوجلّ اصطفى كنانة من وُلد إسماعيل عليه الصلاة والسلام، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»(2).
وعقد الحافظ أبو نعيم: «الفصل الثاني: في ذِكر فضيلته صلّى الله عليه وسلّم بطيب مولده وحسبه ونسبه وغير ذلك» فذكر فيه أحاديث كثيرة بالأسانيد، منها ما تقدّم، ومنها الرواية التالية:
«إن الله عزّوجلّ حين خلق الخلق جعلني من خير خَلقِه، ثم حين خلق القبائل جعلني من خير قبيلتهم، وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم، ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم أباً وخيرهم نفساً»(3).
وذكر الحافظ محبّ الدين الطبري بعض هذه الأحاديث تحت عنوان «ذِكر اصطفائهم» و «ذِكر أنّهم خير الخلق»(4).
وقال القاضي عياض: «الباب الثاني في تكميل الله تعالى له المحاسن خلقاً وخلقاً، وقرانه جميع الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقاً» فذكر فيه فوائد جمّة في كلام طويل(5).
إذن، هناك ارتباط بين «آية المودّة» و «آية التطهير» وأحاديث «الاصطفاء» و «أنّهم خير خلق الله».
ثمّ إن في أخبار السقيفة والاحتجاجات التي دارت هناك بين مَن حَضَرَها مِن المهاجرين والأنصار ما يدلّ على ذلك دلالة واضحة، فقد أخرج البخاري أنّ أبا بكر خاطب القوم بقوله: «لن تعرف العرب هذا الأمر إلاّ لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً»(6) ولا يستريب عاقل في أنّ عليّاً عليه السلام هو الأشرف ـ من المهاجرين والأنصار كلّهم ـ نسباً وداراً، فيجب أن يكون هو الإمام.
بل روى الطبري وغيره أنّه قال كلمةً أصرح وأقرب في الدلالة، فقال الطبري إنّه قال في خطبته: «فخصَّ الله المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له والصبر معه على شدّة أذى قومهم لهم ولدينهم، وكلّ الناس لهم مخالف زار عليهم، فلم يستوحشوا لقلّة عددهم وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم.
فهم أوّل من عَبَدَ الله في الأرض وآمن به وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم في ذلك إلاّ ظالم»(7).
وفي رواية ابن خلدون: «نحن أولياء النبيّ وعشيرته وأحقّ الناس بأمره ولا ننازع في ذلك»(8).
وفي رواية المحبّ الطبري عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب: «فكنّا ـ معشر المهاجرين ـ أوّل الناس إسلاماً، ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه، ونحن أهل الخلافة، وأوسط الناس أنساباً في العرب، ولدتنا العرب كلّها، فليس منهم قبيلة إلاّ لقريش فيها ولادة، ولن تصلح إلاّ لرجل من قريش…»(9).
وهل اجتمعت هذه الصفات ـ في أعلى مراتبها وأسمى درجاتها ـ إلاّ في عليٍّ؟! إنّ عليّاً عليه السلام هو الذي توفّرت فيه هذه الصفات واجتمعت الشروط… فهو «عشيرة النبي» و «ذو رحمه» و «وليّه» وهو «أوّل من عَبَدَ اللهَ في الأرض وآمن به» فهو «أحقّ الناس بهذا الأمر من بعده» و «لا ينازعه في ذلك ظالم»!!
ومن هنا نراه عليه السلام يحتجّ على القوم في الشورى بـ «الأقربية» فيقول: «أُنشدكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم منّي، ومَن جعله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه؟! قالوا: اللّهمّ لا» الحديث(10).
وهذا ما اعترف به له عليه السلام طلحة والزبير، حين راجعه الناس بعد قتل عثمان ليبايعوه، فقال ـ في ما روي عن ابن الحنفيّة ـ: «لا حاجة لي في ذلك، عليكم بطلحة والزبير.
قالوا: فانطلِق معنا. فخرج عليٌّ وأنا معه في جماعة من الناس، حتّى أتينا طلحة بن عبيدالله فقال له: إنّ الناس قد اجتمعوا ليبايعوني ولا حاجة لي في بيعتهم، فابسط يدك أُبايعك على كتاب الله وسُنّة رسوله.
فقال له طلحة: أنت أَولى بذلك منّي وأحقّ، لسابقتك وقرابتك، وقد اجتمع لك من هؤلاء الناس من قد تفرّق عنّي.
فقال له عليّ: أخاف أن تنكث بيعتي وتغدر بي!
قال: لا تخف ذلك، فوالله لا ترى من قِبلي أبداً شيئاً تكره.
قال: الله عليك كفيل.
ثمّ أتى الزبير بن العوّام ـ ونحن معه ـ فقال له مثل ما قال لطلحة وردّ عليه مثل الذي ردّ عليه طلحة»(11).
هذا، وقد كابر الجاحظ في ذلك، في رسالته التي وضعها للدفاع عن العثمانية، فردّ عليه السيّد ابن طاووس الحلّي ـ طاب ثراه ـ قائلا:
«وتعلّق بقوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى).
وليس هذا دافعاً كون القرابة إذا كان ذا دِين وأهليّة أن يكون أَولى من غيره وأحق ممّن سواه بالرئاسة.
وتعلق بقول رسول الله لجماعة من بني عبد المطلّب: إنّي لا أُغني عنكم من الله شيئاً.
وهي رواية لم يسندها عن رجال، ولم يضفها إلى كتاب. وممّا يردّ عليها ما رواه الثعلبي، قال: وأخبرنا يعقوب بن السري، ]قال:[ أخبرنا محمّد بن عبدالله الحفيد، ]قال:[ حدّثنا عبدالله بن أحمد بن عامر، ]قال:[ حدّثني أبي، حديث عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، ]قال:[ حدّثني أبي جعفر بن محمّد، ]قال:[ حدّثنا أبي محمّد بن عليّ، ]قال:[ حدّثنا أبي عليّ بن الحسين، ]قال:[ حدّثنا أبي الحسين بن عليّ، ]قال: [حدّثنا أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «حرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من وُلد عبد المطّلب ولم يجازه عليها، فأنا جازيه ]به[ غداً إذا لقيني في القيامة.
ومن كتاب الشيخ العالم أبي عبدالله محمّد بن عمران بن موسى المرزباني «في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام» ما يشهد بتكذيب قصد الجاحظ ما حكايته:
ومن سورة النساء، حدّثنا عليّ بن محمّد، قال: حدّثني الحسن ابن الحكم الحبري، قال: حدّثنا حسن بن حسين، قال: حدّثنا حيّان عن ابن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، في قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)… الآية، نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته وذوي أرحامه، وذلك أنّ كلّ سبب ونسب منقطع ]يوم القيامة[ إلاّ ما كان من سببه ونسبه، (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
والرواية عن عمر شاهدة بمعنى هذه الرواية حيث ألحّ بالتزويج عند أميرالمؤمنين صلوات الله عليه.
وتعلّق بقوله تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْس شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ).
أقول: إنّ الجاحظ جهل أو تجاهل، إذ هي في شأن الكافرين، لا في سادات المسلمين أو أقرباء رسول ربّ العالمين. بيانه: قوله تعالى: (وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ).
وتعلّق بقوله تعالى: (يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً)ولم يتمّم الآية، تدليساً وانحرافاً، أو جهلا، أو غير ذلك، والأقرب بالأمارات الأوّل، لأنّ الله تعالى تمّم ذلك بقوله: (وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
وخلصاء الذرّيّة والقرابة مرحومون بالآي والأثر، فسقط تعلّقه، مع أنّ هذا جميعه ليس داخلا في كون ذي الدِين والأهلية لا يكون له ترجيح في الرئاسة وتعلّق له بالرئاسة.
وتعلّق بقوله تعالى: (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سَلِيم).
وليس هذا ممّا يدخل في تقريره الذي شرع فيه، وإن كان حديثاً خارجاً عن ذلك، فالجواب عنه: بما أنّ المفسرين أو بعضهم قالوا في معنى قوله تعالى: (سَلِيم) أي: لا يشرك، وهذا صحيح.
وتعلّق بقوله تعالى: (اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ).
وليس هذا من الرئاسة الدنياوية في شيء. وبعد، فهو مخصوص بقرابة النبيّ عليه السلام بالأثر السالف عن الرضا. وبعد، فإنّ المفسّرين قالوا عند قوله تعالى: (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) قالوا: الشفاعة، وإذا كان الرسول شافعاً في عموم الناس فأَولى أن يشفع في ذرّيّته ورحمه، وكذا قيل في قوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) إنّها الشفاعة.
وتعلّق بقوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) وليس هذا ممّا حاوله من سابق تقريره في شيء.
وتعلّق في قصّة نوح وكنعان، وليس هذا ممّا نحن فيه في شيء، أين كنعان من سادات الإسلام؟!
وتعلّق بقوله تعالى: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
وللإمامية في هذا مباحث سديدة، إذ قالوا: من سبق كفره ظالم لا محالة فيما مضى، فلا يكون أهلا للرئاسة، فهذه واردة على الجاحظ لا له. ورووا في شيء من ذلك الرواية من طرق القوم»(12).
(1) بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية: 387 ـ 391.
(2) جامع الأُصول 9/396 عن مسلم والترمذي، الطبقات الكبرى 1/20، الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 62.
(3) دلائل النبوّة 1: 66/16.
(4) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 10.
(5) الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 46.
(6) صحيح البخاري، كتاب الحدود ـ الباب 31، وانظر: الطبري 3/203، سيرة ابن هشام 2/657، وغيرهما.
(7) تاريخ الطبري 3/219.
(8) تاريخ ابن خلدون 2/854.
(9) الرياض النضرة 1/213.
(10) الصواعق المحرقة: 93 عن الدار قطني.
(11) كنز العمّال 5/747 ـ 750.
(12) بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية: 391 ـ 397.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *