2 ـ الرسول لا يَسأل أجراً

2 ـ الرسول لا يَسأل أجراً:
إنّ الرسول مِن قِبل الله سبحانه وتعالى لا يسأل الناس أجراً على تبليغ الرسالة إليهم أصلا، وإنّما أجره على الله، وهكذا كان الأنبياء السابقون:
قال نوح لقومه: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)(1).
وقال هود: (يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)(2).
وقال صالح: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)(3).
ومن هنا أصرّ بعضهم على أنّ الاستثناء منقطع، وجوّز بعضهم ـ كالزمخشري وجماعة ـ أن يكون متّصلا وأن يكون منقطعاً.
أقول:
ونبيّنا أيضاً كذلك كما جاء في آيات عديدة: منها:
(… قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)(4).
(قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ)(5).
(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً)(6).
وقد أجاب المفسّرون من الفريقين عن هذه الشبهة بأكثر من وجه، وفي تفسيري الخازن والخطيب الشربيني منها وجهان…
ولكن يظهر ـ بالدقّة ـ أنّ الآيات في الباب بالنسبة إلى نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم على أربعة أنحاء:
1 ـ ما اشتمل على عدم سؤال الأجر.
2 ـ ما اشتمل على سؤال الأجر لكنّه «لكم».
3 ـ ما اشتمل على عدم سؤال الأجر، وطلب «اتّخاذ السبيل إلى الله» عن اختيار.
4 ـ ما اشتمل على سؤال الأجر وهو «المودّة في القربى».
وأيّ تناف بين هذه الآيات؟! يا منصفون!
إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يَسأل الناس أجراً، وإنّما قال لهم: اتّخذوا إلى الله «سبيلا» وهو «لكم» ولا يتّحقق إلاّ بمودّة أهل البيت، ولذا ورد عنهم عليهم السلام: «نحن السبيل»(7)… نعم هم السبل وخاصّةً «إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطّعت السبل…»(8). فإذن هم السبيل، وهذا معنى هذه الآية في محكم التنزيل، ولا يخفى لوازم هذا الدليل، فافهم واغتنم، و (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…) وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(1) سورة الشعراء 26: 107 ـ 108.
(2) سورة هود 11: 51.
(3) سورة الشعراء 26: 143 ـ 145.
(4) سورة الأنعام 6: 90.
(5) سورة سبأ 34: 47.
(6) سورة الفرقان 25: 57.
(7) فرائد السمطين، وعنه في ينابيع المودّة: 22.
(8) مجمع الزوائد 9/165.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *