رواية العيني

رواية العيني
* «حدثنا عبداللّه بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا عبدالعزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد رضي اللّه تعالى عنه قال: سمع النبي صلّى اللّه عليه وآله يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلا يفتح اللّه على يديه، فقاموا يرجون لذلك أيّهم يعطي، فغدوا وكلّهم يرجو أن يعطى فقال: أين علي؟ فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعي له، فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتّى كأنه لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فواللّه لأن يهدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم… مطابقته للترجمة في قوله: ثم ادعهم إلى الإسلام. وعبدالعزيز يروي عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار.
والحديث أخرجه البخاري أيضاً في فضل علي، رضي اللّه تعالى عنه، عن قتيبة. وأخرجه مسلم أيضاً عن قتيبة في الفضائل».
* «قوله: يوم خيبر، ويوم خيبر كان في أوّل سنة سبع. وقال موسى بن عقبة: لما رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من الحديبية مكث بالمدينة عشرين يوماً، أو قريباً من ذلك، ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعدها اللّه تعالى إياه، وحكى موسى عن الزهري أن افتتاح خيبر في سنة ست، والصحيح أن ذلك في أوّل سنة سبع».
* «قوله: لأعطينّ الراية، أي: العلم، وقال ابن إسحاق عن عمرو بن الأكوع، قال: بعث النبي صلّى اللّه عليه وآله أبا بكر، رضي اللّه تعالى عنه، إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهدهم، ثم بعث الغد عمر، رضي اللّه عنه، فقاتل عمر ثم رجع ولم يكن فتح، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لأعطينّ الراية غداً يحبه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله يفتح اللّه على يديه ليس بفرار، قال سلمة: فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله علي بن أبي طالب، وهو يومئذ أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: خذ هذه الراية وامض بها حتّى يفتح اللّه عليك بها، فخرج وهو يهرول هرولة وإنّا لخلفه نتبع أثره حتّى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فأطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: يقول اليهودي: علوتم وما أنزل على موسى، أو كما قال، فما رجع حتّى فتح اللّه على يديه. وقال ابن إسحاق: كان أول حصون خيبر فتحاً حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن سلمة، ألقيت عليه رحى منه فقتلته».
* «قوله: فقاموا يرجون لذلك، أي: قام أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الذين معه حال كونهم راجين لإعطاء الراية له حتّى يفتح اللّه على يديه. قوله: أيهم يعطى، على صيغة المجهول. قوله: فغدوا وكلّهم يرجو، أي: كلّ واحد منهم يرجو أن يعطى، وكلمة: أن، مصدرية، أي: يرجو إعطاء الراية له. قوله: فقال، أي: فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: يشتكي عينيه، من اشتكى عضواً من أعضائه فاشتكي عينيه من الرمد. قوله: فأمر، أي: النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بإحضار علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه. قوله: فدعي، على صيغة المجهول أي: دعي علي، رضي اللّه تعالى عنه له، أي: للنبي صلّى اللّه عليه وآله.. قوله: فبصق، بالصاد والسين والزاى. قوله: فقال: فقاتلهم القائل علي، رضي اللّه تعالى عنه.
قوله: حتّى يكونوا مثلنا أي: حتّى يكونوا مسلمين مثلنا. قوله: فقال: على رسلك، أي: فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله لعلي: على رسلك بكسر الراء، يقال: إفعل هذا على رسلك، أي: اتئد فيه وكن فيه على الهينة. وقال ابن التين: ضبط بكسر الراء وفتحها.
قوله: لأن يهدي بك، على صيغة المجهول.
قوله: خير لك من حمر النعم، حمر النعم، بضم الحاء: أعزها وأحسنها، يريد خير لك من أن تكون فتتصدق بها، ولكون الحمرة أشرف الألوان عندهم، قال: حمر النعم، بفتحتين إذا أطلق يراد به الإبل وحدها، وإن كان غرها من الإبل والبقر والغنم، دخل في الإسم معها»(1).
* «حدثنا قتيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، قال: كان علي رضي اللّه تعالى عنه تخلّف عن النبي صلّى اللّه عليه وآله في خيبر، وكان به رمد فقال: أنا أتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فخرج علي فلحق بالنبي صلّى اللّه عليه وآله، فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لأعطينّ الراية أو قال ليأخذن غداً رجل يحبه اللّه ورسوله أو قال يحب اللّه ورسوله يفتح اللّه عليه، فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ففتح اللّه عليه. مطابقته للترجمة في قوله: لأعطينّ الراية. وحاتم بن إسماعيل أبو إسماعيل الكوفي سكن المدينة، ويزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، وقد مرّ عن قريب، وقد مضى نحوه عن سهل بن سعد في الجهاد في باب دعاء النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى الإسلام.
وأخرج البخاري حديث الباب في فضل علي، رضي اللّه تعالى عنه، عن قتيبة أيضاً، وفي المغازي أيضاً عن القعنبي. وأخرجه مسلم في الفضائل عن قتيبة عن حاتم بن إسماعيل.
قوله: تخلف عن النبي صلّى اللّه عليه وآله يعنى: لأجل رمد عينيه، وذلك في غزوة خيبر. قوله: أو قال، شك من الراوي. قوله: فإذا نحن بعلي. كلمة إذا للمفاجاة أي: فإذا نحن بعلي قد حضر. قوله: وما نرجوه، أي: ما كنا نرجو قدومه في ذلك الوقت للرمد الذي به.
وفيه فضيلة علي، رضي اللّه تعالى عنه على غاية ما يكون، ومعجزة للنبي صلّى اللّه عليه وآله في إخباره بالغيب، وقد وقع كما أخبر»(2).
* «حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن بن محمّد بن عبداللّه بن عبدالقاري عن أبي حازم قال: أخبرني سهل يعني ابن سعد قال قال النبي صلّى اللّه عليه وآله يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلا يفتح على يديه يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله، فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلّهم يرجوه فقال: أين علي؟ فقيل: يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال: أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فواللّه لأن يهدي اللّه بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: لأن يهدي اللّه بك… إلى آخره. ويعقوب القاري، بالقاف والراء منسوب إلى القارة، هم: بنو الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، وأبو حازم، بالحاء المهملة والزاي: سلمة بن دينار الأعرج.
والحديث مضى في كتاب الجهاد.
وأخرجه أيضاً في المغازي عن قتيبة في الكل، وقد مضى الكلام فيه في باب ما قيل في لواء النبي صلّى اللّه عليه وآله، فإنه أخرجه هناك من حديث سلمة بن الأكوع. قوله: أيهم يعطى، بضم الياء في: يعطى وفتح الطاء على صيغة المهجول، فعلى هذا أيهم، بضم الياء. ويروى: يعطي، على صيغة المعلوم وعلى هذا، أيهم، بالفتح. قوله: يرجوه، ويروى: يرجونه. قوله: على رسلك، بكسر الراء وسكون السين أي: على هينتك.
قوله: لأن يهدي اللّه، كلمة: أن، مصدرية في محل الرفع على الإبتدا، وخبره قوله: خير لك قوله: من حمر النعم، بضم الحاء، أي: كرامها وأعلاها منزلة، قاله ابن الأنبازي، وعن الأصمعي، بعير أحمر إذا لم يخالط حمرته بشيء، فإن خالطت حمرته فهو كميت، والمراد: بحمر النعم، الإبل خاصة، وهي أنفسها وخيارها. قال الهروي: يذكر ويونث، وأما الأنعام فالإبل والبقر والغنم»(3).
* «حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبدالعزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: لأعطينّ الراية غداً رجلا يفتح اللّه على يديه قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللّه قال: فأرسلوا إليه فأتوني به، فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به رجع، فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول اللّه، أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه، فواللّه لأن يهدي اللّه بك رجلا واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأنه يدلّ على فضيلة علي رضي اللّه تعالى عنه وشجاعته. وفيه: معجزة النبي صلّى اللّه عليه وآله، حيث أخبر بفتح خيبر على يد من يعطي له الراية. وعبدالعزيز هو ابن أبي حازم سلمة بن دينار، سمع أباه أبا حازم. والحديث مر في كتاب الجهاد في باب فضل من أسلّم على يديه رجل، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد عن يعقوب بن عبدالرحمن بن محمد بن عبداللّه بن عبدالقاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد… إلى آخره، ومرّ الكلام فيه هناك. قوله: كلّهم يرجو ويروى: يرجون.
قوله: يدوكون، بالدال المهملة وبالكاف أي: يخوضون من الدوكة وهو الاختلاط، والخوض، يقال: بات القوم يدوكون دوكاً: إذا باتوا في اختلاط ودوران، وقيل: يخوضون ويتحدّثون في ذلك، ويروى، يذكرون، بالذال المعجمة من الذكر. قوله: فأرسلوا، على صيغة الماضي المبني للفاعل. قوله: فأتي به، على صيغة المجهول، والضمير في به يرجع إلى علي رضي اللّه تعالى عنه، ويروى: فأرسلوا، على صيغة الأمر من الإرسال، فأتوني به، على صيغة الأمر أيضاً من الإتيان. قوله: ودعا له، ويروى: فدعا له، بالفاء.
قوله: فأعطاه، ويروى: وأعطاه، بالواو، ويروى: فأعطى على صيغة المجهول، والراية: العلم. قوله: أنفذ بضم الفاء: أي: امض. قوله: على رسلك، أي: على هينتك. قوله: حمر النعم بضم الحاء وسكون الميم، والنعم بفتحتين، والإبل الحمر هي أحسن أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وليس عندهم شيء أعظم منه، وتشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا إنما هو للتقريب إلى الفهم، وإلا فذرة من الآخرة خير من الدنيا وما فيها بأسرها وأمثالها».
* «وفي التلويح: ومن خواصه أي: خواصّ علي رضي اللّه تعالى عنه، فيما ذكره أبو الثناء: أنه كان أقصى الصحابة، وأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله تخلّف عن أصحابه لأجله، وأنه باب مدينة العلم، وأنه لما أراد كسر الأصنام التي في الكعبة المشرفة أصعده النبي صلّى اللّه عليه وآله برجليه على منكبيه، وأنه حاز سهم جبريل عليه الصلاة والسلام بتبوك فقيل فيه:
علي حوى سهمين من غير أن غزا *** غزاة تبوك، حبذا سهم مسهم
وأن النظر إلى وجهه عبادة، روته عائشة، وأنه أحب الخلق إلى اللّه بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، رواه أنس في حديث الطائر، وسمّاه النبي صلّى اللّه عليه وآله: يعسوب الدين، وسماه أيضاً: رز الأرض، وقد رؤيت هذه اللفظة مهموزة وملينة، ولكلّ واحد منهما معنى، فمن همز أراد الصوت، والصوت جمال الإنسان، فكأنه قال: أنت جمال الأرض، والملين هو المنفرد الوحيد، كأنه قال: أنت وحيد الأرض، وتقول: رززت السكين إذا رسخته في الأرض بالوتد، فكأنه قال: أنت وتد الأرض، وكلّ ذلك محتمل، وهو مدح ووصف، وأن النبي صلّى اللّه عليه وآله تولّى تسميته وتغذيته أياماً بريقه المبارك من حين وضعه».
* «حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: كان علي قد تخلّف عن النبي صلّى اللّه عليه وآله في خيبر وكان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله! فخرج علي فلحق بالنبي صلّى اللّه عليه وآله، فلما كان مساء الليلة التي فتحها اللّه في صباحها قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لأعطينّ الراية أو ليأخذن الراية غداً رجلا يحبه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله يفتح اللّه عليه، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ففتح اللّه عليه. هذا طريق آخر في الحديث السابق من حيث المعنى.
أخرجه أيضاً عن قتيبة بن سعيد عن حاتم، بالحاء المهملة وبالتاء المثناة من فوق: ابن إسماعيل الكوفي، سكن المدينة عن يزيد من الزيادة ابن عبيد مولى سلمة بن الأكوع عن مولاه سلمة بن الأكوع. والحديث مرّ في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي صلّى اللّه عليه وآله، فإنه أخرجه هناك بهؤلاء الرواة بعينهم، وبعين هذا المتن، وقد مرّ الكلام فيه هناك».
* «وفي الإكليل للحاكم: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعث أبا بكر إلى بعض حصون خيبر، فقاتل وجهد ولم يك فتح، فبعث عمر، فلم يك فتح، فأعطاه علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه، قال: رواه جماعة من الصحابة غير سهل: أبو هريرة وعلي وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام والحسن بن علي وابن عباس وجابر بن عبداللّه وعبداللّه بن عمر وأبو سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع وعمران بن حصين وأبو ليلى الأنصاري وبريدة وعامر بن سعد بن أبي وقاص وآخرون.
قوله: أو ليأخذن، شك من الراوي، وكذا قوله: أو قال: يحب اللّه ورسوله، وفي الحديث الماضي، بصق في عينيه، ولم يذكر هنا في حديث سلمة، ويروى: قال علي: فما اشتكيت عيني لا حرّاً ولا قراً حتّى الساعة، وفي لفظ: دعا له بست دعوات: اللهم أعنه واستعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قوله: فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أي: رايته، وقال ابن عباس: فكانت راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعد ذلك في المواطن كلّها مع علي رضي اللّه تعالى عنه، وفي حديث جابر بن سمرة: قالوا: يا رسول اللّه! من يحمل رأيتك يوم القيامة؟ قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا؟ علي بن أبي طالب؟».
* «وفي كتاب أبي القاسم البصري من حديث قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد: أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: لأعطينّ الراية رجلا كراراً غير فرار، فقال حسان: يا رسول اللّه! أتأذن لي أن أقول في علي شعراً؟ قال: قل، قال:
وكان علي أرمد العين يبتغي *** دواء فلما لم يحسن مداويا
حباه رسوله اللّه منه بنفلة *** فبورك مرقياً وبورك راقيا
وقال سأعطي الراية اليوم صارماً *** فذاك محبّ للرسول مواتيا
يحب النبي، والإله يحبه *** فيفتح هاتيك الحصون التواليا
فأفضى بها دون البرية كلها *** علياً، وسماه الوزير المواخيا»(4)
* «حدثنا عبداللّه بن مسلمة حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: كان علي رضي اللّه تعالى عنه تخلّف عن النبي صلّى اللّه عليه وآله في خيبر وكان رمداً فقال: أنا اتخلف عن النبي صلّى اللّه عليه وآله: فلحق به، فلما بتنا الليلة التي فتحت قال: لأعطينّ الراية غداً أو ليأخذن الراية غداً رجل يحبه اللّه ورسوله ويفتح عليه، فنحن نرجوها فقيل: هذا علي، فأعطاه ففتح عليه.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وقد تكرر ذكر رجاله، والحديث مرّ في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي صلّى اللّه عليه وآله. قوله: وكان رمداً، بفتح الراء وكسر الميم، وفي رواية ابن أبي شيبة: أرمد، وفي رواية جابر عند الطبراني في الصغير: أرمد، بتشديد الدال، وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الدلائل: أرمد لا يبصر. قوله: فقال: أنا أتخلف؟ كأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلّى اللّه عليه وآله. قوله: فلحق به أي: بالنبي صلّى اللّه عليه وآله، فيحتمل أن يكون لحق به في الطريق، ويحتمل أن يكون بعد الوصول إلى خيبر. قوله: أو ليأخذنّ الراية، شك من الراوي.
قوله: رجل، فاعل: ليأخذنّ. قوله: يحبه اللّه ورسوله، صفة الرجل، والراية، العلم الذي يحمل في الحرب به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وربّما يدفعه إلى مقدم العسكر، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بأن الراية والعلم مترادفان، لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ومثله عند الطبراني عن بريدة، وعند ابن عدي عن أبي هريرة، وزاد: مكتوب فيه: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، قوله: فنحن نرجوها أي: نرجوا الراية أن تدفع إلينا أراد أن كل واحد منهم كان يرجو ذلك. قوله: فقيل: هذا علي، أي: قد حضر. قوله: ففتح عليه فيه اختصار، أي: فلما حضر أعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الراية فتقدم بها وقاتل ففتح اللّه على يديه».
* «حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبدالرحمان عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال يوم خيبر: لأعطينّ الراية غداً رجلا يفتح اللّه على يديه يحب اللّه رسوله ويحبه اللّه ورسوله قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يا رسول اللّه يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في عينيه ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي يا رسول اللّه! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال صلّى اللّه عليه وآله: انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه، فواللّه لأنْ يهدي بك رجلا واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو حازم سلمة بن دينار. والحديث قد مضى في الجهاد في باب فضل من أسلم على يديه رجل بعين هذا الإسناد والمتن، وهنا بعض زيادة، وهي: قوله: يدوكون ليلتهم، بضم الدال المهملة: من الدوك، وهو الاختلاط أي: باتوا في اختلاط واختلاف. قوله: كلّهم يرجو، ويروى: يرجون. قوله: فأتي به، على صيغة المجهول. قوله: ودعا له، فقال: اللهم أذهب عنه الحرّ والقر، قال: فما اشتكيتهما حتّى يومي هذا، رواه الطبراني عنه.
قوله: فبرأ، بفتح الراء والهمزة على وزن: ضرب، قيل: ويجوز بكسر الراء على وزن: علم، وروى الطبراني من حديث علي: فما رمدت ولا صدعت منذ دفع إليّ النبي صلّى اللّه عليه وآله الراية يوم خيبر.
قوله: أقاتلهم، حذف منه همزة الاستفهام، وقوله: حتّى يكونوا مثلنا، حتّى يكونوا مسلمين مثلنا. قوله: أنفذ، بضم الفاء وبالذال المعجمة. قوله: فيه، أي: في الإسلام. قوله: حمر النعم، بسكون الميم وبفتح النون والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة، وكانت العرب تفتخر بها»(5).

(1) عمدة القاري 14 / 213 ـ 214.
(2) عمدة القاري 14 / 233.
(3) عمدة القاري 14 / 258.
(4) عمدة القاري 16 / 214 ـ 216.
(5) عمدة القاري 17 / 243 ـ 244.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *