من المسائل الخلافية في علم الكلام

من المسائل الخلافية في علم الكلام:
ولعلّ من أهمّ ما وقع فيه الخلاف بين الشيعة الاثني عشرية وبين غيرهم هي المسائل التالية:
1 ـ في صفات الباري، وأنّها هل هي عين الذات أو زائدة عليها; فقال الإمامية بأنّ صفاته تعالى عين ذاته وليست زائدة عليها.
2 ـ في التجسيم، وهذا ما نفاه الإمامية وعدّوا القول به كفراً، لكنّ بعض الفرق يقولون بأنّ للّه يداً ورجلا، وأنّه يصعد وينزل… تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.
3 ـ في القرآن، فقالت الإمامية بحدوثه وقال الآخرون بقدمه، وللمسألة قضايا وحوادث مذكورة في السير والتواريخ.
4 ـ في أفعال العباد، فقال قوم بالجبر وقال آخرون بالتفويض، وذهبت الإمامية إلى أنّه لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين.
5 ـ في مسائل العدل، فقالت الإمامية بأنّ اللّه لا يفعل القبيح، وأنّه يريد الطاعات ويكره المعاصي، وأنّه يفعل لغرض وحكمة، وأنّه يمتنع عليه التكليف بما لا يطاق.. إلى غير ذلك.
6 ـ في الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فالإمامية يقولون بأنّ الخليفة بعده هو عليّ بن أبي طالب بنصٍّ من اللّه ورسوله، وقال أهل السُنّة بأنّه أبو بكر بن أبي قحافة بانتخاب من الناس.
الإمامة:
وكانت الإمامة من بين المباحث في أُصول الدين والمسائل الخلافية منها، أشدّها حسّاسية وأهمّيةً، بل هي المسألة المتقدّمة على غيرها بالزمان والمرتبة، ولذا قالوا:
«أعظم خلاف بين الأُمّة خلاف الإمامة، إذ ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُلّ على الإمامة في كلّ زمان»(1).
وجوب الإمامة:
والمسلمون لم يختلفوا في أصل «الإمامة» بل اتّفقوا على وجوبها، وهذا ما نصّ عليه كبار العلماء من الشيعة والسُنّة.
قال ابن حزم: «اتّفق جميع أهل السُنّة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأنّ الأُمّة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام اللّه، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم… والقرآن والسُنّة قد وردا بإيجاب الإمام…»(2).
أمّا الإمامية الاثنا عشرية فكان اهتمامهم بأمر الإمامة من جهة أنّها عندهم من صلب أُصول الدين كما سيأتي، وقد ورد في الروايات عن أئمّتهم عليهم السّلام في الإمامة:
«إنّ الإمامة أُسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي… .
إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين»(3).
ومن كلماتهم عليهم السلام في الإمام:
«بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف»(4).
وقال العلاّمة الحلّي في مقدّمة كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة: «أمّا بعد، فهذه رسالة شريفة، ومقالة لطيفة، اشتملت على أهمّ المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة، التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة، وهي أحد أركان الإيمان المستحقّ بسببه الخلود في الجنان، والتخلّص من غضب الرحمن»(5).
تعريف الإمامة:
وممّا يشير إلى أهمّية الإمامة وعظمتها عند المسلمين ما جاء في كتبهم في تعريفها، المتّفق عليه بينهم:
قال القاضي الإيجي: «قال قوم: الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا… .
ونقض بالنبوّة… .
والأَولى أن يقال: هي خلافة الرسول في إقامة الدين، بحيث يجب اتّباعه على كافّة الأُمّة»(6).
وقال التفتازاني: «الإمامة رئاسة عامّة في أمر الدين والدنيا خلافةً عن النبيّ…»(7).
وقال العلاّمة الحلّي بتعريف الإمامة: «الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابةً عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم»(8).
فقال الفاضل المقداد السيوري(9) بشرحه:
«الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا لشخص إنساني.
فالرئاسة جنس قريب، والجنس البعيد هو النسبة، وكونها عامّة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنوّاب. و(في أُمور الدين والدنيا) بيان لمتعلّقها، فإنّها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا.
وكونها لشخص إنساني، فيه إشارة إلى أمرين:
أحدهما: إنّ مستحقّها يكون شخصاً معيّناً معهوداً من اللّه تعالى ورسوله، لا أيَّ شخص اتّفق.
وثانيهما: إنّه لا يجوز أن يكون مستحقّها أكثر من واحد في عصر واحد.
وزاد بعض الفضلاء في التعريف: بحقّ الأصالة، وقال في تعريفها: الإمامة رئاسة عامة في أُمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحقّ الأصالة. واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية، فإنّ رئاسته عامّة لكن ليست بالأصالة.
والحقّ: إنّ ذلك يخرج بقيد العموم، فإنّ النائب المذكور لا رئاسة له على إمامه، فلا تكون رئاسته عامّة.
ومع ذلك كلّه، فالتعريف ينطبق على النبوّة. فحينئذ زاد فيه: بحقّ النيابة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو بواسطة بشر»(10).
هذا، وقد أورد الفيّاض اللاهيجي في شرح التجريد كِلا تعريفي الإيجي والتفتازاني، وارتضاهما(11) ممّا يدلّ على أنّ المقصد واحد وإن اختلفت الألفاظ وتنوّعت التعاريف.
وهذا هو المهمّ في المقام، فإنّ علماء الفريقين متّفقون على تعريف الإمامة بما ذُكر.
الإمامة من أُصول الدين:
ومن هذا التعريف ـ المتّفق عليه بين الشيعة والسُنّة ـ يتبيّن أنّ الإمامة من أُصول الدين وليست من الفروع، لأنّها نيابة عن النبيّ، فهي من شؤون النبوّة ومتعلّقاتها.
مضافاً إلى أحاديث اتّفقوا عليها، كقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية» وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، لكن لابُدّ وأن يكون المراد منها معنىً واحداً وهو ما دلّ عليه اللفظ المذكور.
وهو بهذا اللفظ في عدّة من الكتب كشرح المقاصد(12).
وفي مسند أحمد وغيره بلفظ: «من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية»(13)… .
وبلفظ: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» كما في بعض الكتب(14)..
وله ألفاظ أُخرى(15).
فإنّ هذا الحديث دليل صريح على وجوب معرفة الإمام، والاعتقاد بولايته الإلهيّة، ووجوب طاعته والانقياد له، وإنّ الجاهل به أو الجاحد له يموت على الكفر، كما هو حكم من كان كذلك بالنسبة إلى نبوّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وبما ذكرناه غنىً وكفاية عن غيره من الأدلّة.
ومن هنا، فقد حكي عن بعض الأشاعرة، كالقاضي البيضاوي، موافقة الإمامية في أنّ الإمامة أصل من أُصول الدين(16)، وعن بعضهم، كالتفتازاني، أنّها بعلم الفروع أليق(17)، والمشهور بينهم كونها من المسائل الفرعيّة.

(1) الملل والنحل 1 / 13.
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل 3 / 3.
(3) الكافي 1 / 224، إكمال الدين وإتمام النعمة: 677، معاني الأخبار: 97.
(4) الكافي 1 / 224، إكمال الدين وإتمام النعمة: 677، معاني الأخبار: 97.
(5) انظر: شرح منهاج الكرامة: 1 / 15 ط 1.
(6) المواقف في علم الكلام: 395.
(7) شرح المقاصد 5 / 232.
(8) الباب الحادي عشر: 82.
(9) هو: شرف الدين أبو عبداللّه مقداد بن عبداللّه بن محمّد بن الحسين بن محمّد السيوري الحلّي الأسدي، كان عالماً فاضلا متكلّماً محقّقاً مدقّقاً، من تلامذة الشهيد الأول الشيخ محمّد بن مكّي العاملي، له تصانيف، منها: شرح نهج المسترشدين في أُصول الدين، كنز العرفان في فقه القرآن، شرح مبادىء الأُصول، تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر.
توفّي بالنجف الأشرف في 26 جمادى الآخرة سنة 826 .
انظر: أمل الآمل 2 / 325 رقم 1002، طبقات أعلام الشيعة / القرنين التاسع والعاشر 4 / 138، الذريعة 24 / 18 رقم 94، معجم المؤلّفين 3 / 906 رقم 17200، الأعلام 7 / 282.
(10) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 44.
(11) شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام 1 / 5.
(12) شرح المقاصد 5 / 239، شرح العقائد النسفية: 232.
(13) مسند أحمد 4 / 96.
وانظر: صحيح مسلم 6 / 22، مسند الطالسي: 259 ح 1913، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 19 / 388 ح 910، مسند الشاميّين 2 / 437 ح 1654، حلية الأولياء ـ لأبي نُعيم ـ 3 / 224 وقال: «هذا حديث صحيح ثابت، أخرجه مسلم بن الحجّاج في صحيحه عن عمرو بن علي، عن ابن مهدي، عن هشام بن سعد، عن زيد» وهو ما مرّ تخريجه آنفاً، جامع الأحاديث ـ للسيوطي ـ 7 / 384 ح 23114 و 23116، كنز العمّال 1 / 103 ح 464 وج 6 / 65 ح 14863.
(14) السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 8 / 156.
وانظر: صحيح مسلم 6 / 22، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 19 / 334 ح 769، إتحاف السادة المتّقين 6 / 122.
(15) انظر: السُنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : 489 ح 1057، مسند أبي يعلى 13 / 366 ح 7375، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 10 / 289 ح 10687، المعجم الأوسط 1 / 127 ح 227، وج 6 / 128 ح 5820، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 13 / 242، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 7 / 49 ح 4554، مجمع الزوائد 5 / 225، جامع الأحاديث ـ للسيوطي ـ 7 / 384 ح 23113، كنز العمّال 1 / 103 ح 463.
(16) منهاج الوصول في معرفة علم الأُصول ـ المطبوع مع الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ـ : 167.
(17) شرح المقاصد 5 / 232.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *