كلمة سماحة آية الله السّيد علي الحسيني الميلاني (دام ظله العالي) في درس خارج الأصول، يوم الأحد ١٢ جمادى الأول ١٤٣٧ هـ ق.
بسم الله الرّحمٰن الرّحیم
الظّاهر أنّ بعض الاخوة قد ذهبوا إلى التّبليغ ، نِعم ما صنعوا ، ففي نظري لو تمّ أيضاً تعطيل هٰذين اليومين ؛ لكان أفضل بكثير .
إنّ السّادة الحضور ينبغي عليهم الذّهاب إلى التّبليغ أيضاً ، فنحن الآن في أيّام الفاطميّة وما جرىٰ من أحداث في صدر الإسلام لا بدّ من بيانها للنّاس.
إنّني أؤكّد دوماً علىٰ لزوم تعريف النّاس في مختلف الدول وبمختلف اللّغات بما جرىٰ في صدر الإسلام من أحداث . تلك القضايا المرتبطة بصدر الإسلام ينبغي بيانها كما حدثت في الواقع ، ولكنّني أذكّر دائماً بشرطين:
الشّرط الأوّل : بيانها بصورةٍ استدلاليّة وموثّقة.
الشّرط الثّاني : بيان تلك الوقائع بإنصاف واحترام.
فأوّلاً يجب أن تُبَيَّن وتُوضَّح ، وثانياً يجب أن تُذكر بجميع خصوصيّاتها وتفاصيلها . فينبغي أن لا يتمّ كتمانُها ولا التّقليلُ من أهمّيتها.
فحقائق صدر الإسلام يجب التعرُّض لها والحديث عنها ، ولكن مع مراعاة هٰذين الشّرطين وإنّني أؤكّد وأحثّ عليهما .
هذا ، ووقائع صدر الإسلام بالنّسبة لنا حديثةٌ جديدة إلى يوم القيامة . جديدة بأيّ معنىٰ ؟
بمعنىٰ أنّ تلك الأحداث الواقعة في صدر الإسلام مهمّة جدّاً لأنّها إلى يومنا هٰذا تَفصِل وتُميّز الطُّرق والاتّجاهات والأفكار عن بعضها . وأخُصّ بالذّكر منها خطبة الصدّيقة الطّاهرة (سلام الله عليها) ، وهٰذه الخطبة ينبغي أن تُبحث من جهاتٍ ثلاث :
الجهة الأولىٰ : بيان ما الذي حدث ولماذا قامت الصدّيقة الطّاهرة (سلام الله عليها) بإلقاء هٰذه الخطبة ؟
الجهة الثّانية : لزوم التّحقيق والبحث في محتوىٰ الخطبة نفسها ، أي خطبة الصدّيقة الطّاهرة (سلام الله عليها) ، بل ينبغي أن يُطرح متنُها بعنوان درس مستقل .
الجهة الثّالثة : آثار هٰذه الخطبة ، تبِعاتها ونتائجها في حياتنا . فإنّ هٰذه الخطبة من الصدّيقة الطّاهرة (سلام الله عليها) لا تختصّ بزمانٍ دون زمان ، ولا تختصّ بمكانٍ دون آخر أيضاً .
فإذا كانت الصدّيقة الطّاهرة (سلام الله عليها) موجودةً اليوم ؛ لأعادت بيان نفس الخطبة مرّةً أخرى .
ولْيُعلَم أنّ وظيفة الصدّيقة الطّاهرة والنبيّ الأكرم والأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) هي تبيين الحقائق لأنّ هداية النّاس متوقّفة عليهم .
و أنّ نصب الإمام والإمامة ، ونفس مقام أهل بيت العصمة والطّهارة هو لأهداف عظيمة الشّأن منها هداية هٰذه الأمّة ، ورفع الغموض عنها ، ودفع الشّبهات ، وتبيان الحقائق وإتمام الحجّة من قِبل الله تعالى ، فإنّ البشريّة محتاجة دائماً إلى الحجّة البالغة .
الإنسان دائماً يحتاج إلى الحجّة ، وهٰذه الحجّة التامّة ينبغي أن تصل إلى الجميع كي لا يأتي أحدٌ ويقول بأنّه لم يكُن يعلم ، فهذا نصُّ الآية المباركة :
{ لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } سورة طٰه : آیه ١٣٤ .
يقال إنّ الحاكم في هٰذا البلد هو عليّ ! صحيح أنّ هٰذا البلد بلد التشيُّع ، والحاكم فيه الآن من ذرّية أمير المؤمنين والصدّيقة الطّاهرة (سلام الله عليهما) وهو محترم لدينا جميعاً ، ولا يجوز تضعيف هٰذا النّظام في رأي مراجع التّقليد ، ولكنّ هٰذا الأمر لا ارتباط له بواقعة خطبة السّيدة الزّهراء (سلام الله عليها) .
فإنّ قراءة هٰذه الخطبة وشرحَها وبيان ما فيها لا يتعارض مع الوحدة أبداً !
ولو أنّها تتعارض مع الوحدة ؛ فإنّ حديث الغدير والبحث حول حديث الغدير وواقعة غدير خم سيكون سبباً للاختلاف أيضاً !؟
ألم يقُل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) : { إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ ، مَنْ دَخَلَهَا نَجَا ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ } ؟ فهل يصحّ منّا القول بأنّ النبيّ الأكرم (صلّىٰ الله علیه وآله وسلّم) صار سبباً لاختلاف الأمّة وتحدّث بما يخالف الوحدة ؟
أليس محتوىٰ الخطبة الفدكيّة هو نفس محتوىٰ حديث { إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين … } ؟
أليس مضمونها هو نفس المضمون الوارد في حديث { إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ … } ؟
بل الذي ينبغي علينا هو تجنُّبُ الحديث بشكلٍ يسبّب الفُرقة بين الشيعة أنفسهم . فهٰذا الأمر أيضاً مخالفٌ للوحدة !؟
كما أنّه يجب علينا عدم خلط القضايا العقائديّة بالمسائل السّياسيّة .
فراجعوا ما قد ذكرتُه لكم وتأمّلوا في أقوالي هٰذه ، وانظروا إن كان فيها إشكالٌ أو خللٌ فنبّهوني علىٰ ذٰلك .
إنّنا نحترمُ الأعلام ، لكنّنا نتوقّع منهم أن يتحدّثوا بما يناسب شأنهم ومكانتهم . نعم إنّ وظيفتنا هي التحدّث بأدب مع الأعلام . فإنّنا لا نتحدّث مع عَلَمٍ من أعلامنا كما نتحدّث مع ابن تيمية والآخرين فذٰلك لا ينبغي أن يحدث .
إلاّ أنّ المنتظر والمأمول منهم أن لا يتفضّلوا !
بأحاديث توجب الاختلاف بين الشيعة أنفسهم ، وإنه لمن المؤسف أنّ هٰكذا تصريحات قد ازدادت في مجتمعنا !
وفّقنا الله تعالىٰ جميعاً لأداء وظائفنا على أحسن وجه.
و السّلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.
Menu