(2)
لقد أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس أنه قال:
لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة، فقال: ادعوا لي عليّاً، قالت عائشة: ندعو لك أبا بكر؟ قال: ادعوه، قالت حفصة: يا رسول الله ندعو لك عمر؟ قال: ادعوه، قالت أم الفضل: يا رسول الله ندعو لك العباس؟ قال: ادعوه. فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليّاً، فسكت، فقال عمر: قوموا عن رسول الله، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس، فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل حصر، ومتى ما لا يراك الناس يبكون، فلو أمرت عمر يصلي بالناس، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس.
ووجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض . . .»(1).
أخرجه أحمد بسند صحيح عن ابن عباس، وهو يدلّ على أمور:
1 ـ محاولة القوم ـ ولا سيما بعض أزواجه «ص» ـ إبعاد علي عليه السّلام عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، حتى لا يعهد إليه بشيء من الامور العامة أو الخاصّة.
2 ـ كانت عائشة أكثرهم حرصاً على التفريق بين علي والنبي عليهما السّلام، فهي التي قالت: ندعو لك أبا بكر؟ ثم قالت حفصة . . . وقالت أم الفضل . . . على ما في الحديث . . . فهي أول من اقترحت عليه غير الإمام عليه السّلام.
3 ـ لم يرد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في السّاعات الأخيرة من عمره الشريف إلاّ علياً فقال: «ادعوا لي علياً، فدعي له أولئك القوم(2)، «فلمااجتمعوا رفع رأسه فلم ير علياً، فسكت، فقال عمر: قوموا . . .» أي فإنه يريد علياً ولا يريد أحداً منكم، ومن هنا يظهر: أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم لم تطب نفسه الشريفة باجتماعهم عنده، بل لقد كان عليه الصّلاة والسّلام أمرهم بالخروج مع أسامة.
4 ـ ومن جميع ذلك ـ مع خروجه إلى الصلاة معتمداً على رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض ـ يستكشف أنه كان قد استدعى علياً، لأن يأمره بالصلاة ـ فيما يأمره به ـ ولا أقل من أن الإذن بصلاة أبي بكر كان من جهة عائشة لامن جهة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(1) مسند أحمد 1 / 356.
(2) وأما ما في الحديث من أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال «ادعوه» بعد السؤال عن دعوة كلّ واحد، فلا يبعد أن يكون زيادة من الراوي، ويشهد بذلك عدم وجود الكلمة في غيره من الروايات وسيأتي نص بعضها.