بين «الغدير» و «الحوض»
وبعد… فلقد كان يوم الغدير وحديثه… آخر مراحل الإبلاغ والإعلام… وهو في هذه المرّة لم يُكَنِّ… .
ولم يشبِّه… بل ينصّ ويصرِّح… .
لقد كان ما قاله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وافياً بالغرض، وإلاّ لما نزلت بعده آية إكمال الدين، بعد ما نزلت قبله آية التبليغ وأنّه (إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).
وحينئذ تصل النوبة إلى التهديد والتحذير من مغبّة المخالفة والتبديل… .
وما عساه يفعل… .
فقد أدّى ما عليه، لكنّه في أُخريات أيّامه… وسوف لن يرى هذه الجموع بعد اليوم… وهو يعلم بما سيكون في اُمّته… .
وما عساه يفعل… .
لقد ذكّرهم بالموقف التالي… والموطن الذي سيجتمع بهم… حيث يَرِدُون عليه… .
لقد ربط بين «الغدير» و«الحوض» في خطبته… إذ قال لهم قبل أن يأخذ بيد عَليّ فيقول فيه ما قال:
«أيّها الناس، ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإنّي فرط على الحوض، وانتم واردون عَلَيَّ الحوض…».
والحوض يجب الايمان به، فقد روى حديثه خمسون نفساً من الصحابة(1)، وقد قال بعض الأكابر بكفر منكره… .
نعم… ذكّرهم بالحوض هنا… ليذكّر بما أخبرهم به من قبل… وقال لهم:
«أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ رجال منكم، ثم ليتخلجنَّ دوني، فأقول: يا ربّ أصحابي. فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وفي بعض الألفاظ قال: «فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي»(2).
أقول: لابدَّ وأنّه لا يقصد خصوص الرجال من الأصحاب، بل يريد كلّ الأصحاب، من الرّجال والنساء… ليشمل عائشة التي قيل لها:
«ندفنك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟
فقالت: إنّي قد أحدثت أموراً بعده. فادفنوني مع أخواتي.
فدفنت بالبقيع»(3).
بل كلّ الّذين… بدّلوا وغيّروا… وما زالوا… وإلى يوم الورود عليه على الحوض… .
ربّنا آمنا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين. وصلّى اللّه عليه وآله الطاهرين.
علي الحسيني الميلاني
(1) لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة، للزبيدي: 251.
(2) الحديث في الصحيحين وغيرهما من الصحاح وغيرها. أنظر: البخاري، باب في الحوض 4 / 87 .
(3) المستدرك على الصحيحين 4 / 6 وصحّحه على شرطهما، المعارف: 134، وغيرهما.