بين «النور» و «الدار»
لقد خلق اللّه أمير المؤمنين عليه السلام في نفس الوقت الذي خلق فيه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم… فهما مخلوقان معاً في عالم النور… ومن نور واحد… وشاء اللّه سبحانه أنْ يكون محمّد نبيّاً وأنْ يكون عليّ خليفةً له… منذ أن خلقهما… فالخلافة ثابتة لعليّ في نفس الوقت الذي ثبتت النبوّة فيه للنبيّ… .
وهذا ما أخبر به الصادق الأمين نفسه حين قال:
«كنت أنا وعليّ نوراً بين يدي اللّه عزّ وجلّ، يسبّح اللّه ذلك النور ويقدّسه، قبل أن يُخلق آدم بألف عام، فلَمّا خلق اللّه آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبدالمطّلب، ففيَّ النبوّة وفي عليّ الخلافة».
وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم:
«إن اللّه عزّ وجلّ أنزل قطعةً من نور، فأسكنها في صلب آدم، فساقها حتى قسّمها جزءين، جزء في صلب عبداللّه، وجزء في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيّاً وأخرج عليّاً وصيّاً»(1).
فعليٌّ إمام منذر أنْ كان محمّد نبيّاً… .
ووُلد محمّد نبيّاً… وولد عليّ إماماً من بعده… .
حتى إذا بُعث صلّى اللّه عليه وآله وسلّم… كان عليّ أوّل من أسلم(2)… .
ثم لَمّا أمره اللّه تعالى بانذار عشيرته الأقربين(3) قال لهم:
يا بني عبدالمطّلب، إنّي بعثت لكم خاصّة وإلى الناس عامّة، فأيّكم يبايعني على أنْ يكون خليفتي؟
فكان الذي بايعه أمير المؤمنين عليه السلام(4)… .
لقد قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذلك… وكأنّه مأمور بالإفصاح عَمّا شاءه اللّه تعالى وقضاه في عالم الذرّ، ووضع الحجر الأساسي لذلك في هذا العالم… منذ اليوم الذي اُمر فيه بإنذار عشيرته برسالته… .
(1) هذا الحديث (حديث النور) رواه: أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وعبداللّه بن أحمد، وابن مردويه، وأبو نعيم، وابن عبدالبرّ، والخطيب، وابن المغازلي، والديلمي، وابن عساكر، والرافعي، والمحبّ الطبري، وابن حجر العسقلاني وآخرون، وهو موضوع الجزء الخامس من كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار) حيث بحثنا فيه عنه سنداً ودلالةً فليراجع.
(2) شهد بذلك النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأصحاب وذكره أمير المؤمنين عليه السلام نفسه في غير موضع… أنظر: المستدرك 3 / 136، سنن ابن ماجة 1 / 57، الخَصائص: 3، الاستيعاب 2 / 457، اُسد الغابة 4 / 18، حلية الأولياء 1 / 66، تاريخ الطبري 2 / 213، مجمع الزوائد 9 / 102، تاريخ بغداد 4 / 233، صحيح الترمذي 2 / 214، وغيرها.
ومن يلاحظ بحثنا هذا يعلم أنّ المراد من كونه «أوّل من أسلم» هو المعنى المراد من قوله تعالى للنبي عليه وآله السلام: (قُلْ إِنّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ).
(3) الآية 214 من سورة الشعراء.
(4) هذا الحديث (حديث الدّار) رواه: أحمد في مسنده 1 / 111، النسائي في الخصائص: 18، الطبري في تاريخه 2 / 216، ابن الأثير 2 / 24، المتّقي في كنز العمّال 6 / 392 و 397، الحلبي في سيرته 1 / 304، والهيثمي وغيرهم من المحدّثين والمؤرّخين وأصحاب السّير.