حول رأي صاحب الهدى
وأما قول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كلامه المذكور سابقاً: «وخالفهم صاحب الهدى» ـ وهو ابن قيم الجوزية في كتابه (زاد المعاد في هدى خير العباد) ـ فوهم، لان ابن القيم في هذا الكتاب ينقل أقوال المخطئين لهذا الحديث، ثم كلمات المصححين الذين أولوه وحملوه على محمل صواب من دون أن يرجح أحد القولين على الآخر، فالقول بأنه خالف الخطيب ومن تبعه في التخطئة، خطأ.
على أن ابن القيم قد صرح في كتابه المذكور ـ في الكلام حول زوجات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأن من له أدنى علم بالسير والتواريخ وما قد كان، لا يرد نقل المؤرخين لحديث واحد، وذلك حيث قال: «وأما حديث عكرمة بن عمّار، عن أبي زميل، عن ابن عباس: ان أبا سفيان قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أسألك ثلاثاً، فأعطاه اياهن منها: وعندي أجمل العرب أم حبيبة، أزوجك اياها. فهذا الحديث غلط ظاهر لاخفاء به، قال أبو أحمد ابن حزم: وهو موضوع بلا شك، كذبه عكرمة بن عمّار. قال ابن الجوزي: هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد.
وقد اتهموا به عكرمة بن عمّار، لان أهل التواريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيدالله بن جحش، ولدت له وهاجر بها وهما مسلمان الى أرض الحبشة، ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على اسلامها، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الى النجاشي يخطبها عليه، فزوجه اياها وأصدقها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صداقاً وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة ودخل عليها فثنت فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان.
وأيضاً في حذا الحديث أنه قال له: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، فقال: نعم. ولا يعرف أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر أبا سفيان ألبتة، وقد أكثر الناس الكلام في هذا الحديث وتعددت طرقهم في وجهه، فمنهم من قال: الصحيح أنه تزوجها بعد الفتح لهذا الحديث. قال: ولا يرد هذا بنقل المؤرخين، وهذه الطريقة باطلة عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان. وقالت طائفة…»(1).
وحاصل هذا الكلام، هو عدم جواز رد الاجماع القائم من جميع المؤرخين على وقوع وفاة أم رومان في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وان مسروقاً لم يدركها بحديث واحد رواه البخاري في كتابه…
وعلى هذا فهو من المخطئين لحديث البخاري تبعاً للحافظ أبي بكر الخطيب وجماعة، فلا يصح قول ابن حجر: «وخالفم صاحب الهدى».
أقول: وبهذا الذي ذكرنا عن ابن القيم يرد على جواب ابن حجر عما ذكر الخطيب وأتباعه، ورده كلام الواقدي المتضمن وفاة ام رومان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دفاعاً عن البخاري وكتابه.
هذا وقد قلنا فيما سبق: ان الذي نريد اثباته في هذه البحوث، هو قدح كبار الأئمة والحفاظ في طائفة من مرويات البخاري في كتابه…
على أنا نقول: كما ان ابن حجر يكذب الواقدي صاحب السيرة والتاريخ في مسألة وفاة أم رومان، ولا يجعل رواية قادحة في حديث البخاري المذكور فاننا نضعف اعراض الواقدي عن رواية حديث الغدير، ونقول بأنه غير قادح في صحته ـ بالاضافة الى الوجوه الاُخرى الاتية. فلا وجه لتمسك الفخر الرازي بذلك.
(1) زاد المعاد في هدى خير العباد 1/27.