كبار الحفاظ و هذا الحديث
وصريح هذا الحديث سماع مسروق بن الاجدع من أم رومان أم عائشة، ولقد غلّط كبار الأئمة الحفاظ هذا الحديث وقالوا: ان مسروقاً لم يدرك ابن رومان، ومن هؤلاء:
الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي.
الحافظ أبو عمر ابن عبد البر القرطبي.
الحافظ أبو الفضل القاضي عياض اليحصبي.
الحافظ إبراهيم بن يوسف صاحب مطالع الأنوار على صحاح الآثار.
الحافظ أبو القاسم السهيلي شارح السيرة.
الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس الاندلسي.
الحافظ جمال الدين المزي.
الحافظ شمس الدين الذهبي.
الحافظ أبو سعيد صلاح الدين العلائي.
واليك كلمات القوم الصريحة في ذلك:
قال ابن عبد البر الحافظ ما نصّه: «رواية مسروق عن ام رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة ـ رضي الله عنها»(1).
وقال الحافظ المزي بعد أن أورد الحديث المذكور:
«وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: هذا حديث غريب من رواية أبي وائل مسروق، لا نعلم رواه غير حصين بن عبد الرحمن عنه، وفيه ارسال، لان مسروقاً لم يدرك أم رومان، وكانت وفاتها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان مسروق يرسل رواية هذا الحديث عنها ويقول: سئلت ام رومان، فوهم حصين فيه اذ جعل السائل لها مسروقاً، اللهم الاّ أن يكون بعض النقلة كتب «سألت» بالالف، فان مصر الناس من يجعل الهمزة في الخط ألفاً، وان كانت مكسورة أو مروفوعة، فتبرأ حينئذ حصين من الوهم فيه، على أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب.
قال: وأخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه، لما رأى فيه عن مسروق قال: سألت أم رومان، ولم تظهر له علته.
وقد بينا ذلك في كتاب المراسيل وأشبعنا القول بما لا حاجة لنا إلى اعادته»(2).
وقال الحافظ السهيلي بترجمة ام رومان:
«وروى البخاري حديثاً عن مسروق فقال فيه:
سألت ام رومان وهي ام عائشة عما قيل فيا، ومسروق ولد بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا خلاف، فلم يرام رومان قط، فقيل: انه وهم في الحديث، وقيل: بل الحديث صحيح وهو مقدم على ما ذكره أهل السيرة من موتها في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقد تكلم شيخنا أبو بكر ابن العربي رحمة الله على هذا الحديث واعتنى به لا شكاله…»(3).
وقال ابن سيد الناس:
«وقد وقع في الصحيح رواية مسروق عغنها بصيغة العنعنة وغيرها ولم يدركها، وملخص ما أجاب به أبو بكر الخطيب أن مسروقاً يمكن أن يكون قال: سئلت ام رومان، فأثبت الكاتب صورة الهمزة فتصحفت على من بعده بسألت، ثم نقلت الى صيغة الأخبار بالمعنى في طريق، وبقيت على صورتها في آخر، ومخرجها التصحيف المذكور»(4).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر كلام الحافظ الخطيب وتصدى للجواب عنه مدافعاً عن البخاري… ثم قال: «وقد تلقى كلام الخطيب بالتسليم: صاحب المشارق، والمطالع، والسهيلي، وابن سيد الناس، وتبع المزي الذهبي في مختصراته، والعلائي في المراسيل، وآخرون.
وخالفم صاحب الهدى»(5).
أقول: (صاحب المشارق) هو: الحافظ القاضي عياض، وكتابه (مشارق الأنوار على صحاح الأخبار) من الكتب المعروفة المعتبرة، ذكر فيه تحريفات وتصحيفات وأخطاء وقعت في الموطأ وكتاب البخاري وكتاب مسلم.
و(صاحب المطالع) هو: الحافظ إبراهيم بن يوسف، وكتابه (مطالع الأنوار على صحاح الآثار) قال الكاتب الچلبي بتعريفه:
«مطالع الأنوار على صحاح الآثار، في فتح ما استغلق من كتب الموطأ ومسلم والبخاري، وايضاح مبهم لغاتها في غريب الحديث، لابن قراقول إبراهيم بن يوسف، المتوفي سنة تسع وستين وخمسمائة. صنفه على منوال مشارق الأنوار للقاضي عياض، ونظمه شمس الدين محمّد بن محمّد الموصلي المتوفي سنة أربع وسبعين وسبعمائة، أوله: الحمد لله الذي أظهر دينه على كل دين، وهو مأخوذ مما شرحه وأوضحه وبينه، وأتقنه وضبطه وقيده الفقيه أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض البستي، في كتابه المسمى بمشارق الأنوار، لكن اختصره واستدرك عليه وأصلح فيه أوهاماً الفقيه أبو اسحاق ابن قراقول»(6).
(1) الاستيعاب 4/1937.
(2) تهذيب الكمال في معرفة الرجال ـ مخطوط.
(3) الروض الانف 6/440.
(4) عيون الأثر 2/101.
(5) فتح الباري 7/353.
(6) كشف الظنون 2/1715.