حديث المؤمن لا يزني حين يزني
(ومنها) ما أخرجه البخاري في كتاب الأشربة قال:
«حدّثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة عن عبد الرحمن وابن المسيّب يقولان: قال أبو هريرة: انّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: المؤمن لا يزني حين يزني وهو مؤمن»(1).
وهذا الحديث كذَّبه أبو حنيفة، كما في كتاب (العالم والمتعلّم)(2)، فقد جاء فيه:
«قال المتعلّم: ما قولك في اُناس رووا أنّ المؤمن إذا زنى خلع الإيمان من رأسه كما يخلع القميص، ثمّ إذا تاب أعاد الله إيمانه، أتشكّ في قولهم أو تصدّقهم؟ فان صدّقت قولهم دخلت في قول الخوارج، وان شككت في قولهم شككت في قول الخوارج ورجعت عن العدل الذي وصفت، وان كذّبت قولهم الذي قالوا: كذّبت بقول النبي عليه السّلام، فانّهم رووا عن رجال شتّى حتّى انتهى به إلى رسول الله عليه السّلام.
قال العالم: كذب هؤلاء، ولا يكون تكذيبي هؤلاء وردّي عليهم تكذيباً للنبي عليه السّلام، انّما يكون التكذيب لقول النبي عليه السّلام أن يقول الرجل أنا مكذّب للنبي عليه السّلام، وأمّا إذا قال أنا مؤمن بكلّ شيء تكلّم به النبي عليه السّلام، غير أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتكلّم بالجور ولم يخالف القرآن، فهذا من التصديق بالنبي وبالقرآن وتنزيه له من الخلاف على القرآن، ولو خالف النبي عليه السّلام القرآن وتقوّل على الله، لم يدعه تبارك وتعالى حتّى يأخذه باليمين ويقطع منه الوتين، كما قال تعالى في القرآن، ونبي الله لا يخالف كتاب الله، ومخالف كتاب الله لا يكون نبيّ الله.
وهذا الذي رووه خلاف القرآن، ألا ترى الى قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)(3) ثمّ قال: (اللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ)(4) ولم يعن به من اليهود ولا من النصارى، ولكن عنى به من المسلمين.
فردّي على كلّ رجل يحدّث عن النبي عليه السّلام بخلاف القرآن، ليس ردّاً على النبي ولا تكذيباً له، ولكن ردّاً على من يحدّث عن النبي عليه السّلام بالباطل، والتهمة دخلت عليه لا على نبيّ الله، وكلّ شيء تكلّم به النبي عليه السلام سمعنا به أو لم نسمعه، فعلى الرأس والعين، قد آمنا به ونشهد أنّه كما قال النبي عليه السّلام، ونشهد أيضاً على النبي عليه السّلام أنه لم يأمر بشيء نهى الله عنه يخالف أمر الله تعالى، ولم يقطع شيئاً وصله الله تعالى ولا وصف أمراً وصف الله تعالى ذلك الأمر بخلاف ما وصفه النبي عليه السّلام، ونشهد أنّه كان موافقاً لله عزّوجل في جميع الاُمور، لم يبتدع ولم يتقوّل غير ما قال الله تعالى، ولا كان من المتكلّفين، ولذلك قال الله تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)(5)».
(1) صحيح البخاري 7:190.
(2) هذا الكتاب لأبي حنيفة، والمقصود من «العالم» أبو حنيفة، ومن «المتعلّم» تلميذه: أبو مطيع البلخي وهو راوي الكتاب.
(3) سورة النور 24:2.
(4) سورة النساء 4:16.
(5) سورة النساء 4:80.