فرغنا من البحث حول الآية المباركة، وظهر أنها بكلتا القراءتين دالّة على وجوب مسح الرجلين… وتعرّضنا للاختلافات والتناقضات الموجودة في كلمات القائلين بوجوب المسح لصرف الآية عن دلالتها على ذلك… وقد كانت تلك المحاولات ـ كما هو صريح كلماتهم ـ بسبب أنّ السنّة قاضية بوجوب الغسل…
لكنّ التحقيق أنّ السنّة أيضاً غير قاضية بوجوب الغسل… فالأخبار الواردة في كتبهم منها ما يدلّ على المسح ومنها ما يدلّ على الغسل، مضافاً إلى أنّ الدال منها على الغسل أخبار آحاد وغير سليمة الاسناد…
أخبار المسح في كتب الإمامية:
أمّا الشيعة الإمامية، فأخبارهم الدالة على المسح وفاقاً للكتاب الشريف كثيرة عدداً ومعتبرة سنداً، ولذا لم يكن خلاف بين علمائهم في وجوب المسح فرضاً على التعيين، بل كان المسح عندهم ضرورياً من ضروريات الدين.
وهذه نصوص بعض تلك الأخبار:
1 ـ قال زرارة: « قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونزل به الكتاب من الله عزّوجل، لأنّ الله عزّوجلّ قال: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل. ثمّ قال: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين، ثمّ فصل بين الكلام فقال: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ)فعرفنا حين قال: (بِرُؤُوسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما. ثمّ فسّر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للناس فضيّعوه »(1).
2 ـ قال محمّد بن مروان: « قال أبو عبد الله عليه السّلام: انّه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة. قلت: كيف ذاك؟ قال: لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه »(2).
3 ـ قال سالم وغالب بن هذيل: « سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المسح على الرجلين. فقال: هو الذي نزل به جبرئيل »(3).
4 ـ قال غالب بن هذيل: « سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول الله عزّوجل: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) على الخفض هي أم على النصب؟ قال: بل هي على الخفض »(4) أي: هذه قراءة أهل البيت عليهم السّلام، وان كانت قراءة النصب أيضاً دالة على المسح.
5 ـ قال جعفر بن سليمان: « سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام قلت: جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقاً فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه، أيجزيه ذلك؟ قال: نعم »(5).
6 ـ قال الشيخ الصدوق: « قال أميرالمؤمنين عليه السّلام: لولا أنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يمسح ظاهر قدميه، لظننت أنّ باطنهما أولى بالمسح من ظاهرهما »(6).
قال الفقيه الكبير الشيخ يوسف البحراني: « ما يدل على وجوب المسح ونفي الغسل من أخبارنا مستفيض، بل الظاهر أنه من ضروريات مذهبنا »(7).
وقال الفقيه الكبير السيد محسن الطباطبائي الحكيم: « الرابع مسح الرجلين. اجماعاً محقّقاً عندنا، ولعلّ النصوص به متواترة، بل عن الانتصار: أنّها أكثر من عدد الرمل والحصى. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)سواء قرى بجرّ (وَأَرْجُلَكُمْ) كما عن ابن كثير وأبي عمرو، وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر. أم بالنصب كما عن نافع وابن عامر والكسائي وعاصم في رواية حفص… »(8).
(1) وسائل الشيعة 1/290ـ291.
(2 ـ 4) وسائل الشيعة 1/295.
(5) المصدر نفسه 1/291.
(6) المصدر نفسه 1/292.
(7) الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة 2/290.
(8) مستمسك العروة الوثقى 2/372.