القرآن يكذّبه
وثانياً: إنّ القرآن الكريم يكذّب هذا الحديث، فهو يقول: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث» وفي القرآن المجيد: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ)(1) وفيه عن زكريّا (عليه السلام) : (وإنِّي خِفْتُ الْمَوَالِي مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)(2). وكلّ ما خالف كتاب اللّه فهو مردود بالضرورة.
لأنّ حقيقة الميراث لغةً وشرعاً هي انتقال ما للمورّث من ملك أو حقٍّ إلى ورثته بعد موته بحكم اللّه كما في الفقه، وحمل ذلك على النبوّة والعلم خلاف الظاهر.
بل إنّ النبوّة ليست من الأُمور التي تُطلب من اللّه لكونها اصطفاءً واجتباءً من اللّه عزّ وجلّ، لا دخل لأحد فيها ولا أثر لطلب من أحد لها.
بل إنّ في الآيات قرائن عديدة تؤكّد على أنّ المقصود هو المال لا النبوّة والعلم، فقد جاء فيها عن داود وسليمان: (وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً)(3) وعن يحيى: (وآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)(4). وفي سؤال زكريّا طلب الولي من ولده حتّى يحجب الموالي من الميراث، وهذا لا يتحقّق في غير المال، وطلب أنْ يكون رضيّاً، والنّبي لا يكون إلاّ رضيّاً.
وممّا يؤكّد ما ذكرناه: تصريح غير واحد من أئمّة التفسير عند القوم بأنّ المراد في هذه الآيات هو إرث المال لا العلم والنبوّة، كما لا يخفى على من يراجع تفسيري الطبري والرازي وغيرهما من أشهر تفاسيرهم، بتفسير تلك الآيات.
فظهر سقوط محاولة بعض الناس صرف الآيات عن ظواهرها دفاعاً عن أبي بكر.
(1) سورة النمل: الآية 16.
(2) سورة مريم: الآيتان 5 و 6.
(3) سورة الأنبياء: الآية 79.
(4) سورة مريم: الآية 12.