تنبيه على خبرين آخرين تفرّد بهما أبو بكر:
لقد ذكرت في الكتب الأُصولية ثلاثة أحاديث تفرّد بها أبو بكر أحدها: حديث الإرث، وهو موضوع بحثنا.
والثاني: حديث «الأئمة من قريش» والظاهر أنه هو الحديث الذي ذكره أبو بكر في السقيفة وخصم به الأنصار.
أقول: وهنا أيضاً بحث هامٌّ.
لأن ظاهر كلام القوم أنه حديث سمعه أبو بكر من رسول اللّه ولم يسمعه غيره، وهذا شيء عجيب، إذ كيف يخبر رسول اللّه أبا بكر وحده دون سائر المسلمين عمّا يتعلّق بمصير الإسلام وأهله إلى يوم الدين؟ وكيف لم يُسمَع من أبي بكر ذلك إلى تلك الساعة في السقيفة؟
إلاّ أن يقال بأن العلماء قد اشتبهوا في ذكر هذا الحديث في عداد الأخبار الآحاد عن أبي بكر، وإنما هو حديث «الأئمة بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش» وهو مراد أبي بكر، لكنّ هنا بحثاً آخر، وهو أنه إذا كان الأنصار قد سمعوا هذا الحديث من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فكيف اجتمعوا في السقيفة لتعيين الخليفة من بينهم كما يقال؟
إن كانوا سمعوه وخالفوه فهم فسّاق غير عدول، وإن لم يكونوا سمعوه عاد السؤال! لأنّ المفروض صدور هنا الحديث عن رسول اللّه في جمع من الأصحاب بالمدينة؟
اللّهم إلاّ أن نقول بعدم ثبوت ذيله وهو «كلّهم من قريش» لأنّ الراوي لم يسمعه من رسول اللّه وإنّما أُملي عليه من غيره، لكثرة لغط الحاضرين. لمّا تكلّم رسول اللّه بذلك، كما في صحاح القوم وغيرها ويشهد بذلك وجود الحديث في الكتب من دون هذا الذيل، أو نقول بأن اجتماع الأنصار في السقيفة لم يكن لتعيين الخليفة، وللتحقيق عن هذا الموضوع المهم الخطير مجال آخر.
والثالث: حديث «الأنبياء يدفنون حيث يموتون» والظاهر أنّه قاله بمناسبة وفاة رسول صلّى اللّه عليه وآله تعييناً لموضع دفنه، وهذا أيضاً ممّا لا نصدّق به:
أمّا أوّلاً: فلأنه لم يكن أبو بكر محتاجاً إلى ذلك دون علي وأهل بيت النبي صلّى اللّه عليه وآله.
وأمّا ثانياً: فلأن أبا بكر ترك جنازة رسول اللّه على الأرض وذهب إلى السقيفة لينازع على الرئاسة ولم يخرج منها إلاّ بعد دفن النبي، فمن الذي سأله؟ ومتى؟ حتّى يقول ذلك.
وثالثاً: إنّ الذي تولّى أُمور رسول اللّه بوصية منه هو أمير المؤمنين (عليه السلام)فهو الذي غسّله وكفّنه ودفنه، وهو الذي عيّن موضع قبره لمّا اختلف الحاضرون، ففي الخبر: «فقال بعضهم يدفن بالبقيع، وقال وآخرون: يدفن في صحن المسجد. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّ اللّه لم يقبض نبيّه إلاّ في أطهر البقاع، فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها، فاتفقت الجماعة على قوله (عليه السلام) ودفن في حجرته»(1).
(1) تهذيب الأحكام 6 / 2 ـ 3 / ب 1.
Menu